منذ اطلالته الأولي على شاشة التلفزيون، وإذا بوجه تسكنه الطيبة والألفة الإنسانية، وجهه إنساني بامتياز، إنه وجه النبيل وائل الإبراشي، منذ الطلة الأولى أدركت أن صداقة تكونت معه منذ زمن لا أعرفه، وجه يغتال الغربة، فما كان مني إلا أني صممت وعزمت عىل اللقاء فذهبت إليه.
بعد اتصال يشعرك فيه أنه من أهلك، شقيق الروح، الموعد الساعة السابعة يوم الثلاثاء بمقر جريدة صوت الأمة، عام 2008.
ما أن دخلت عليه إلا ورأيت رجلا يسكن الوقار وجهه الخجول، جميلا في القول، ورائعا في الطبيعة، وأصيلا في فطرته، يده مبسوطة للجميع، ذراعه ممتدة تنشد المحبة ولا تراها، ونفسه مرهفة تتلهف على الحنان ولا تظفر به.
كان يرى أن الإنسان لا بد أن يكون قبلة الإنسان، كان يرى أن قلمه هو سلاحه، وأعظم جندي، هو الذي لا يسقط سلاحه، كل الذين تتلمذوا على يديه، والذين عملوا معه أحبوه، حتى الذين اختلفوا معه في الرأي احترموه.
حكى لي أنه ذاق مرارة الهزيمة كثيرا وحلاوة الانتصار، ووجدت في لقائي الأول به ابتسامه حانية هادئة، فبقيت على تواصل معه، تعلمت على يديه فنون الصحافة، وكان عنده دائما الجديد والجديد، فسعدت به أخا لم تلده أمي، وصديقا أمطرته السماء، فوُلِدَ من إكسيرِ الوفاء.
هو الصدقُ الصادق والاستقامةُ الحقّة، هو الآدمي الذي بلغت درجة الإنسانية لديه ـ التي لا يكرهُ فيها الانسانُ إنسانا ـ وهو الشهم الممتلئ كبرياءً ،فلا يمالئُ ولا يخادِعُ ولا يقول إلّا الحق.
وهو الشجاعةُ التي لا تخشى الصعاب، وهو الأبيّ الذي لا يرضى المذلّة مهما كلّف الأمر.
هو المحترم التي لا يبيع ولا يشتري، لا يستجدي فخراً أو منفعة، ولا يقف على أطلال عزٍّ قد مضى، ولا همَّ له إلا ان يكون مرفوع الرأس خفيف الظلِّ، بهيّ الحضور وفائقة الاحترام، الآن قلبي يعتصر حزنا، حينما جالت بخاطري ذكرى وفاته
9 / 1 غاب عن الدنيا ورحل لرحاب الله عز وجل، الإعلامي والكاتب والصحافي المبدع وائل الابراشي، رحمه الله.
عام بأكمله وهو يعاني من تبعات ذلك الوباء، بعد إصابته بـ«covid-19»، الله يرحمه، ويجعل كل ألم تألمه من ذلك الوباء حسنة في ميزان حسناته، عندما يلقى وجه الرب الكريم، اللهم آمين، سئمت وسئمت حروف كلماتي، وهي تنعى الكثير من أساتذتي ومعلمي وأصدقائي، ولا اعتراض على أمر الله عز وجل.
وهنا وقفات مع صوت الأمة، لن أنساها من ذاكرتي:
٭ 2008.. اللقاء الأول عندما كان رئيس تحرير صوت الأمة.. عندما دخلت مبنى الجريدة وجدت العديد من الطاقات الشبابية، خلية نحل من العمل والطاقة الإيجابية، العمل بروح الجماعة، الكل يعمل من أجل محاربة الفساد، أنا أنتظر للقاء الأستاذ الكاتب وائل الإبراشي فقط من أجل التعرف بشخصية واجهت ومازالت في ذلك الوقت كانت تواجه السلطة وقوتها، كان رمزا للقوة ليس فقط لي بل للعديد من المبتدئين في الصحافة، وعند اللقاء وجدت إنسانا متواضعا يحمل الكثير من المبادئ التي غرست في نفسي.
الجميع كان يحبه ويحترمه من أصغر موظف إلى أكبرهم، لأنه كان نصيرا للشباب، وساعد الكثير منهم، بل ووضع العديد من الأسماء التي نقرأ عنها الآن في بداية الطريق الصحافي في ذلك الوقت، كان سببا وبداية للعديد في الطريق لنجاحهم. ذلك هو وائل الابراشي، رحمه الله.
٭ أكثر من عشرة أعوام وأنا على تواصل معه، قد تكون غير متصلة، ولكن عندما أريده أجده «تلك هي معنى الصداقة»، لن أنسى نقاشاته ومحاورته معي، كان يتقبل النقد ويحترم سطوره وكلماته حتى لو كان ذلك النقد ضده، كان يحترم الإنسان لشخصه وليس لوطنه أو لأجندات خاصة، كان يرفض مبدأ الهدية وهذا ما تعلمته منه.
رحم الله صوت الأمة، الذي وقف ضد العديد من الفاسدين وواجه بمفرده الكثير من قضايا الفساد.
٭ مسك الختام: قال تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط) «سورة آل عمران: 120».