خلق الله جميع الكائنات كي تعمر كوكب الأرض، وقد ميز الإنسان عن سائر المخلوقات الحية بالعقل والإدراك، بهدف أن يملك القدرة على التميز بين الصواب والخطأ، بين المفيد والضار من الأمور، بناء على المنطق والتعاليم التي وضعها كل مجتمع وجوبا وإلزامًا، لحياة أفضل، ولإعلاء حرية ممارسة الحياة نفسها، للجميع تحت سماء هذه التعاليم المحددة.
نعيش جميعا كأفراد سواسية، تحت مظلة مجتمع واحد بلا قيود، نخضع للواجبات والحقوق المخصصة لكل فرد، فالأصل في المجتمعات المتفوقة علميا واجتماعيا وثقافيا وفي شتى النواحي، الأصل هو تحديد واجبات وحقوق كل فرد، وكل فئة تنتمي للمجتمع الواحد، بغرض التدرج داخل المجتمع الواحد من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، التي بدورها تسمح بحياة سوية، ومجتمع منتج، والتدرج هنا يهدف للتصاعد المتدرج، كالطوابق المتلاحقة والمتعددة في مبنى واحد، فالبناء يحتاج لما يجعله مترابطًا، وهنا يأتي دور الدرج، يعمل على ربطها في شكل تصاعدي، في حالة الصعود، وتنازلي في حالة الهبوط.
بطبيعة الحال المفروض على واقع الحياة، يمكننا أن نقسم المجتمعات، إلى مجتمعات منتجة متطورة، ومجتمعات منتفعة ثابتة، ومن عنوان المجتمعات المنتجة يظهر لنا تعريفها ضمن عنوانها، فهي تلك المجتمعات التي يتكاتف أفرادها من أجل الإنتاج في شتى المجالات، بغرض الرفعة التي تأتي مصاحبة لتركيبة التطور العقلي والذهني للبشر، ولكن رفعة المجتمع صفة أصيلة لأفراد المجتمع الواضح أهداف أفراده، رغم المصالح الفردية، وهذا عكس المجتمعات المنتفعة القائمة على الحاجات الوقتية، وسدها دون امتلاك المقومات والتطلعات المستقبلية، ومن هنا جاء وصفها بالثبات الذي لا يشمل فقط وصف للاحتياجات والمتطلبات، بل أيضا الثبات هنا يأتي من عدم منح العقل والمنطقية الإنسانية، البيئة والفرصة المواتية للتطور، لذا جمدت أصولها الفكرية والمنطقية، وتقع المجتمعات المنتفعة في أكثر من فئة، تترأسها فئتان أساسيتان...
المجتمع المنتفع المستحق، والمجتمع المنتفع الطفيلي.....
المجتمع الأول؛ يمثله الأفراد الذين يحق لهم الانتفاع من حقوق المجتمع، ويؤدون الحد الأدنى مما وقع على الأفراد من واجبات تجاه هذا المجتمع.
أما المجتمع الطفيلي؛ فهو الذي يعيش أفراده في ظل المجتمع، ويستفيدون من منافعه والحقوق المقررة للأفراد بصفة عامة، بينما لا يقومون بواجباتهم تجاه هذا المجتمع.
على سبيل المثال لا الحصر...
تجد في الدول المتخلفة عن درب العدالة الاجتماعية، الموظفين في المصالح الحكومية يقومون بعملهم على القدر الأدنى، بمعنى أن يرتضي كل موظف بمكانته ومكانة من يعلوه في المرتبة الوظيفية، لأن في مفهومه أن الوظيفة التي يتمتع فيها بمنافع شتى منها الإجازات، والزيادات السنوية، والرواتب، بالإضافة للاستمرارية والاستقرار الوظيفي، هي أمر مستحق بالنسبة له، حقوقه مستوفاه وحاضرة، دون حاجاته للقيام بما عليه من واجبات، ولأن هذه المنظومة الفكرية للمجتمعات من هذا النوع لم تبن على أساسات قويمة التكوين، فهذا الفكر غير السوي، يبدأ كبرج من ألعاب التراكيب الخاصة بالأطفال، فنجد كل مكعب له قواطع، ليتم تركيبه بشكل سليم في القاطع الذي يناسبه، وهذا في المجتمعات المستحقة الانتفاع.
بينما في المجتمعات الطفيلية نجد القواطع الغير مناسبة هي التي تعتمد عليها التراكيب، لذا من متطلبات العمل الغير محددة رسميا، لكنها محددة بين الأفراد ومعلومة في الوظيفة الحكومية في تلك الدول هو المحسوبية والوساطة، في ظل مظلة من الاحتواء المجتمعي للفئات بغرض الاستمرارية الفئوية، فمن يسود هو الذي يملك الحقوق، ومن ينضب من الأفراد هو من يستحق هذه الحقوق ولكنه لا ينالها لكون الطفيليين قد حاذوها بالفعل، دون الحاجة للقيام بأي واجب من واجبات هذه الاعمال، ولهذا لا تستوي تلك الأبراج لكون أساسها غير قويم المتانة وغير سوى، كالمباني ذات الإسمنت المغشوش، والكاتب ذو الموهبة المنقولة عن كاتب موهوب آخر يمتلك الملكة ولا يملك قوت يومه، وكلعبة الأطفال "چِنجا" التي تعتمد على الأساس المتين للقطع الخشبية المتراصة فوق بعضها، لكن لو تم تحريك قطعة من مكانها الثابت، لمكان أخر غير متماسك، أو تم وضعها بقوة زائدة، قد ينهار البناء بأكمله، وهكذا تستمر العملية التي تعوق المجتمعات عن النهوض، وتخضعها لتوسع رأسي عنصري لا يسمح إلا لفئات محددة بالتطور والخروج من دوامات التأخر الفكري والاقتصادي والسياسي، وكل ما يحتاجه المجتمع لتحقيق الرفعة.