ذلك الشبح الأسود يتسلل، مثل: مصاص دماء، ليغزو شاشة التلفاز، كلما أمعنت النظر إليه، تشعر أنه شبيه بهم، فوجهه شاحب كالموتى وعيناه غائرتان تملؤهما الأكاذيب المغلفة بالقسوة والخداع، الذي يلقي بظله على ماض يشبه مستنقعا من الخيبات، ليس به طوق نجاة.
كلما أطل علينا رأينا كيف ارتسمت تلك النكبات على جبينه، وكيف أثقلت ظهره فألقاها علينا دماءً، حتى وصلت صرخات الأطفال الخُدَّج إلى عنان السماء، وهم لا ذنب لهم ـ أو لنا ـ سوى وجود هذا المسخ بنيامين نتنياهو، في الزمن الذي نعيش فيه.
إنه ذلك البولندي الأمريكي، الحائر المحير، مثل: والده صهيون مايلكوسيكي، الذي كان من كبار مساعدي الصهيوني المتطرف زئييف جابوتسكي، الذي كان يرى أن التاريخ لا تصنعه إلا الأحذية الثقيلة، وكان الصوت البكر للصهيونية في الدعوة إلى تهجير الفلسطينين، لتبقى الدولة اليهودية نقية، بحسب أحلامه، وذلك قبل أن يغيّر نتنياهو اسمه البولندي إلى الاسم الحالي.
الأب كان محبطا من عدم الاندماج في المجتمع الذي عاش فيه كمؤرخ، وكان يريد عملا يشبع طاقاته ـ على حد تعبيره ـ هل لأنه كان يكتب التاريخ اليهودي، ويعرف كم الأكاذيب الملفقة؟
وقد تم رفضه من قبل الجامعة العبرية في القدس، فلم يستطع التدريس، فيها مما زاد سخطه، ورغم أنه يدرّس في جامعة كورنيل، لكنه أصبح كارها لكل النخب في المجتمع الإسرائيلي، وخاصة حزب العمل، فصب سخطه على أبنائه، فزرع في عقولهم أن الدنيا صراع مستمر، لا مكان فيه للعاطفة.
ولذلك دائما ما نجد بنيامين نتنياهو، يرى أن غالبية العرب، بمن فيهم عرب 48، يشكلون تهديدا وجوديا لإسرائيل، كما اتسع مضمون هذه الفكرة ليشمل ذلك التهديد كل أركان العالم.
وأصبحت تلك الافكار من ضمن كل خطاباته وتصريحاته، وهي أفكار مركزية في وعيه، مثل: الأمن اليهودي المهدد من الجميع، سواء الإرهاب الفلسطيني ـ طبقا لزعمه ـ أو الخطر الإيراني. وهؤلاء جميعا أصبحوا في نظرة الجميع معادين للسامية، وبعد أن عاد نتنياهو من أمريكا، اشترك وهو ابن الثامنة عشر في الجيش، وشارك فيما سمي بمعركة الكرامة عام ١٩٦٨.
كما شارك في الهجوم على مطار بيروت، خلا السنة نفسها، وفي حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، وكاد يموت غرقا في قناة السويس، حين دمر الجيش المصري القارب الذي كان يتسلل إليه هو ومجموعة من جنود الاحتلال.
الأب كان يريد للأبناء العمل في السلك الدبلوماسي، خاصة الخارجيه، إلا أن نتنياهو وأخاه الأكبر يوناتان، كانا أكثر تطرفا ولهما رأيان يناقضان رأي والدهما، العشق لإسرائيل، رغم أنه يعيش في أمريكا.
ورفض الشقيقان الانخراط في السلك الدبلوماسي، وانخرطا في الحلم المتوحش لإسرائيل، فانتقل نتنياهو إلى مرحلة جديدة من حياته بالزواج، إلا أنه أخذ شخصيته المخادعة معه، واضعا علاقته بالزواج تحت تأثير الكذب والخيانة.
زوجته الأولى مريم ويزمن، الإسرائيلية المولد، أكملت دراستها في الولايات المتحدة الأمريكية، وارتبطت بنتنياهو ليتزوجا في سبعينيات القرن الماضي، وأنجبت منه ابنه في عام ١٩٨٧ م، إلا أنه أثناء حمل الزوجه الأولى، تعرف نتنياهو ـ في مكتبه الجامعي بفتاة بريطانية هي فلور كيتس، ليقيم معها علاقة عاطفية، دفعت الزوجه الأولى لطلب الطلاق.
وبعدها تزوج نتنياهو من عشيقته، التي أعلنت اعتناقها اليهودية، إلا أنه طلقها بعد ثلاث سنوات أيضا، ثم تعرف على مضيفة طيران اسمها سارة ارتزي، التي تزوجها بعد أن حملت منه، وأنجب ونجب منها ولدين، وهي زوجتة الحالية، المعروفة بسلوكها غير المستقر، والمتسم بالعنف، خاصة في تعاملها مع الخادمات، حتى أنه تمت مقاضتها أكثر من مرة.
ويغلب على نتنياهو الشعور بعداوة الآخرين، كما جاء على ألسنة بعض مستشاريه المحيطين به، وهو شخصية غير عقلانية، ومنطوية، ولا يملك الكثير من الأصدقاء المقربيين.
كما أنه من الصعب أن يثق بأحد، وحتى زوجته، كما يمتلك عقدة النقص، منذ نعومة أظافره، نتيجة لعدم الشعور بالأمان الشخصي. ويشير شاؤول كيمحي، أحد مستشاري نتنياهو، الذين قضوا حقبة زمنية برفقته، أنه في أثناء عمله معه، كان يرتكب أخطاءً سخيفة، ولا يعبأ بالنصائح، ويربط نتنياهو وجود الأفراد حوله بالاستفادة القادمة منهم، وتدل سماته وتاريخه النفسي إلى ميله للكذب والتنصل من أي وعود يقطعها على نفسه, ويرى الخداع أمرا مقبولا في السياسة، لذا لا يعرف تأنيب الضمير.