الجمعة 22 نوفمبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

إذا أردت أن تضع تعريفا جامعا لشخصيته ومواهبه، فلن تجد إلا تعريفا واحدا، فيلسوف الحياة والتفاؤل، ينزع في تفاؤله إلى الخير دائما، يدعو إليه ويطلبه لكل الناس.

كانت بداية عهدي به حينما التقيته في جريدة صوت الأمة، وجها حانيا باسما دائما، لا يسخر من حلم، ولا يحقر فكرة، كان عند  انتهاء اجتماعه يجلس معنا، يحدثنا ونحدثه، وكان حديثه إلينا حديث الأب المحب. 

كان يحدثنا عن مغامراته الصحفية، وكيف خاضها، وفكر فيها، ونفذها، وهو الرائد النبيل لهذا الفن من الصحافة، فن المغامرة الصحفية.

لم يتقرب يوما من نظام، فهو كان يرى اقترابه من الإنسان العادي ضربا من ضروب الحياة والنشاط والحركة، أما الاقتراب من الانظمة فيجعله متكلسا متجمدا دون حركة، وإن ظهر يتحرك. 

كان جليلا في القول، رائعا في طبيعته، أصيلا في فطرته، لم يتحمل يوما أن يعيش بالرياء، ولا أن يصانع المواقف وفقا لما تمليه الظروف والأحوال، ولكنه كان يقف شامخا بنفسه، رأيه من قلبه، وصدى مواهبه الأصيلة لا يمكن أن تتناقض مع نفسها. 

أذكر عندما ترك صوت الأمة وذهب للوفد ليرأس تحريرها، كنا  دائما في زيارته بمكتبه الذي كان لا يغلق أبدا، وحتى يضمن ألا يغلق الباب بفعل عوامل الطبيعة من الهواء أو الرياح، وضع أمام الباب حجرا.

أذكر فيما أذكر أن رئيسا لتحرير صوت الأمه يسبقه، كان ظاهرة صوتيه، جاء من عالم المكائد السياسة ووشايتها، كان يصدق الكذب  فقال له أحدهم شرا عني فصدقه، وكان موضوعا صحفيا عرضته عليه فرفضه، وأنا صممت على أن أكتبه، لكن سيد عبد العاطي احتفظ بالموضوع، بعد ان أخذه من مكتب رئيس التحرير إياه،  وبعد ما يزيد على 9 أشهر، وجدت ملفا على صفحات الجريدة فيه موضوعي، بعدما سيد عبد العاطي رئيسا للتحرير. 

ظل محتفظا بموضوع لتسعة أشهر أو يزيد، وقال لي عندما ذهبت لأشكره، عايزك تشتغل لا تجعل أحدا يحبطك،  وكان يرسلنا عندما تأتيه دعوة إلى مكان ما، لكي نذهب بدلا منه. 

ومن طريف ما بيننا أنه قال لي يوما اذهب إلى البحيرة في موضوع مهم في أحد مراكزها، فذهبت ولم أجد ما قال، فعدت إليه وأخبرته، فضحك ضحكة بريئة كانت تطل من وجهه دائما، والموضوع دا كنت عامله من عام ١٩٨٤، فقلت له يا افندم نحن في عام ٢٠٠٩. 

كان سيد عبد العاطي دائما شعلة تضيء حياة الآخرين، كان يملك مشاعر إنسانية راقية، طلب مني ذات يوم استعارة كتاب كان في حوزتي، فقدمته له فورا، وكتبت عليه إلى الرجل الذي أعاد بملامحه الحانية، ومشاعره الراقية أبي حيا من جديد، فعندك وجدت ضالتي، بعد أن كنت حائرا سائما، فأنت تبدد غربتنا جميعا،   فدمعت عينه شاكرا. 

هو إنسان تجد له صفات عدة، فإذا حاولت اختصارها قلت إنه طيب، وهو بهذه الصفة كان يتمسك دائما، كما كان يضيف لكل هذا  التفاؤل. 

سيد عبد العاطي

لقد فقدنا أمس رجلا نبيلا راقيا حانيا، رجلا فرش بروحه الحالمة   طريقا مُعبّدا لكثيرين يعبرون إلى المجد، وإذا كان لي أن أتخيل عبد العاطي في غيوبيته، التي بقيت لثلاثة أشهر، كانت روحه تسترجع وجوها أحبته وأحبها، أرواحا أخذت نبلا من روحه.

مغامراته الصحفيه كيف بات في الهرم الأكبر وحيدا يوما كاملا، كيف عاش في مستشفى المجانين لشهور، من أجل تحقيق صحفي كان الأبزر والأروع في حينه.

كل ذلك كان طيفا يزوره في غيوبيته، طوال ثلاثة أشهر كامله، إلى روح عبد العاطي أقول، الناس نوعان موتى في حياتهم، وآخرين في بطن الأرض أحياء.

تم نسخ الرابط