الإثنين 16 سبتمبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

تمر بنا الحياة في تلك الحقبة من الزمان كما السهم المارق أو كما الشهاب الثاقب فلا تعطينا رفاهية تتبعها أو اقتفاء أثارها، فلا ندرك من أين اتت، ولا نتيقن أين حطت أو نزلت.
سريعة هي الحياة ومتتابعة هي الاحداث ومتلاحقة فيها الخطوب والمصاعب والعراقيل، فلا تمنحنا التريث أو حتى تمهيد السبل، وتاجر السعادة قد شحت بضاعته، أو نضبت فلا هو يجدها ولا هو يمتلك سعر شرائها، إلا من بعض زبائن قلة، وتاجر التعاسة راجت بضاعته حتى عمّت الأسواق وملأت الشوارع والدروب، واكتظت بها الأودية والفيافي فصار يهديها ويمنحها كل مارٍ أو عابر سبيل.

عبست الوجوه وزاغت الأبصار وطارت العقول شاردة بين متطلبات واحتياجات، وضروريات ونقائص، والتزامات وترفيه، حتى إن كان مجرد ترويح وإعداد.

وما بين أزمات سياسية وتداعيات اقتصادية خفت الجيوب، وعزت الغلال، واختفت الحبوب، وتنامت النكبات والكروب.

وللأسف ونحن  في دهاليز هذا المعترك وتلاطم تلك الأمواج، وفي ظل ذلك التلاحم المتداخل والتشابك المعقد، سقطت منا فضائل الأخلاق وتناثرت شعائب الإيمان، وظلت تتضاءل وتتضاءل حتى صارت أشبة بالأثر، الذي لا تراه العيون المجردة، وعندما يقل الدواء ينتشر الداء وعندما تندر الأخلاق تتفاقم وتستشري الأمراض المجتمعية المزمنة، بتزامن الفراغ الأخلاقي والتهميش الديني.

ولكن الخوف كل الخوف أن يستمر هذا الفراغ أمدا، فلا نستطيع تتبعه أو اقتفائه، ولا يتسني لنا علاجه، وقد يستيئس الناس من أن تكون لهذه الأزمة الاقتصادية انفراجة، أو تُفتح لها نافذة، خاصة وقد هانت الحياة، ورخصت الروح على بعض من البشر، فصاروا يزهقونها بشتى الطرق، ويدخلون انفسهم في متاهات مصير النهايات والخاتمة.
وقد نسوا أن من يرعي الكون ويرتب الأمر ويقضي شؤونه لا يعجزة شيء في الارض ولا في السماء، وأن كل يوم بل وكل ساعة ولحظة هو في شأن، وأن دوام الحال من المحال، وأن من خلقنا كفيل بنا، وأننا إن توكلنا على الله حق توكله، لرزقنا كما يرزق الطير تروح خماصا وتأتي بطانا.
لكن أخشى ما نخشاه في ظل تلك الظروف المعقدة، أن يكون تاجر الأخلاق قد فقد بضاعته، أو غرقت في تلك الأمواج العنيفة العاتية، فيعيينا البحث ويرهقنا الترحال ونبكي حسرة وندما على ما كان بأيادينا وفرطنا فيه بكامل إرادتنا ومكتمل أدراكنا وتمام وعينا وتهاوننا فيما استقيناه وشربنا منه بنهم مدمن ثمل. 
ما بين تجاهل التعاليم الصحيحة تجاهلا مقصودا ومتعمدا، بتهوينه تارة والتشكيك فيه أخرى، وتهميشه تارة ثالثة، وتقزيمه والاستهزاء به رابعة، وما بين غياب التربية المغصوبة رهينة للسعي والكسب والإلهاء، وبين مكتسبات التكنولوجيا والتطور المغلوط في التناول والاستخدام، وبين لهثنا وراء التقليد الأعمي في الرذائل والتفاهات، وبين نافخ الكير من أصدقاء السوء، وبين مصدر إلينا ومستورد بأيدينا، فقدنا بضاعة الأخلاق وبوصلة الدين.
فما بين كل هذا وذاك صرخ واستصرخ تاجر الأخلاق: يا قوم فقدنا بضاعتنا وما أراها ردت إلينا، وبكى واستبكى ضياعها، وظل ينادي في الأسواق: يا أهل البسيطة إذا ضاعت الأخلاق ضاقت الأرزاق، وشاع الاسترقاق وكثر الإزهاق وانتشرت الخيانة بين الأهل والرفاق، إذا ضاعت الأخلاق فلا عهد ولا ميثاق ولا خير بيننا باق، الأب قاسٍ والابن عاق، تعاظمت الخطوب وملأت الرذائل الآفاق.

 (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)

تم نسخ الرابط