الجمعة 04 أكتوبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

في رحلتنا الثانية إلى منطقة الدرب الأحمر - والتي لها في نفسي معزة خاصة؛ لأن جدتي لأبي التي كانت من أصول صعيدية كانت من أهل هذه المنطقة رحمها الله – ونسير في عبق تاريخ شارع " تحت الربع ". 

وقد ظهر ذلك الشارع أو بالأحرى السوق منذ نشأة القاهرة نفسها على يد جوهر الصقلي، الذي جعل القاهرة مدينة قاصرة على الفاطميين الشيعة بأمر من الخليفــــــة الشيعي الفـــــاطمي المعـــــز لدين اللـه - الذي حاول تشييع أهل مصر لكنه فشل بفضل الله للإسلام الفطري السني المعتدل لأهل مصر ولاتباعهم السنة النبوية المطهرة - وجعل سكن عساكر البربر والسودان على يمين باب زويلة، وعرف هذا المكان باسم حارة السودان، وكان تنتهى عند الخليج المصرى بباب الخرق ( الخلق حاليا )، وهنا بدأ بعض العامة في عرض بضائعه من المأكولات على العساكر فراجت التجارة وتنوعت السوق وقويت. وصار اسم الشارع " سوق السودان " حتى فترة حكم الظاهر بيبرس الذى قام بتطوير الشارع وتقسيم المساحة المحيطة به، وأنشأ رُبْعاً  ( أي مجمع سكني وتجاري ضخم )، وأسفله سوق كبيرا عام 1263م . 

تحت الربع

وسبب التسمية ب" الرُبع" بضم الراء لأنه – أي الظاهر بيبرس - قسم المنطقة إلى أربعة أجزاء، فكل جزء عرف بالرُبْع، ثم تم تحريف الكلمة إلى " الرَبع" بفتح الراء، أما سبب التسمية بتحت الرُبع فذلك أن الرُبْع أو المجمع السكني ( أشبه بالمول حاليا ) كان يحوي 120 وحدة سكنية، بالطابق الثاني، تضم الواحدة منها ثلاث غرف تكفي لسكن أسرة كاملة، وأرضي مخصص للحوانيت وعددها أيضا 120 حانوتا، والسوق والتجار يعرضون بضاعتهم في حوانيتهم، وفي المساحة الأرضية الكبيرة التي تطل عليها مساكنهم ، وكان لهذا الرُبْع بوابة صغيرة تسمى "قيسرية"، يدخل من خلالها الناس أو يخرجون، فكان الطابق الأعلى حيث المساكن هو المسمى بالرُبْع، ولذا كان من يريد أن يدخل للشراء أو التجارة في المربع الأرضي يذكر أنه ذاهب لتحت الرُبْع لأنه ليس من سكان الرُبْع بالطبع . وذكرت موسوعة "القاهرة فى ألف عام" لعبد الرحمن زكى في صفحاتها أن الرُبْع لم يكن له سوى مدخل واحد للجميع ويصعد إلى الطابق العلوى بواسطة سلم يوصل إلى دهليز طويل تطل عليه المساكن، ولا تؤجر هذه المساكن المؤثثة إلا للتجار من أهل الرُبْع، ولا يسمح للأغراب باستئجار مسكن من الرُبْع . وهو ما ورد فى كتاب "التطور العمرانى لشوارع القاهرة" للكاتب فتحى حافظ الحديدى الذى اعتمد فى مصادره على أرشيف وزارة الاشغال،  وسجلات الأحياء والدوريات النادرة،  لشوارع القاهرة .

تحت الربع


وعرف الربُع وقتها باسم " تحت الرُبْع الظاهري " نسبة للظاهر بيبرس منشئها . ويقول المقريزى فى خططه أن هذا الربع احترق من ضمن ما احترق في عام 1321 ، وجعل في جزء من مكانه سجنا سمي باسم " خزانة شمائل "، ثم في عام 1415 أمر السلطان المملوكي الجركسي المؤيد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبد الله المحمودي الظاهري بهدم السجن والرُبْع تماما وبناء مسجد مكانه، والسبب في ذلك أن المؤيد شيخ نفسه كان مسجونا في سجن خزانة شمائل لأسباب غير معلومة، واشتد به الكرب في السجن، فنذر لله أن هو خرج وصار ذا مكانة ليهدمن السجن ويحوله إلى مسجد، فلما صار سلطانا على مصر شرع على الفور في تحقيق نذره.  

تحت الربع

ونجد بشارع تحت الرُبْع تنوعا معماريا ما بين العمارة المدنية التى تتمثل فى البيوت القديمة، والعمارة الدينية التى تتمثل فى المساجد ، والعمارة الخيرية أو المائية التى تتمثل فى الأسبلة .

تحت الربع


   ومع أن شارع تحت الرُبْع ارتبط في أذهان الكثيرين بأنه مخصص منذ القدم لصناعة وتجارة فوانيس رمضان لكن الحقيقة أن صناعة الفوانيس ازدهرت وانتشرت في شارع تحت الرُبْع مع بداية القرن التاسع عشر فقط .أما التجارة الأصيلة والقديمة التي عرف بها أن شارع تحت الرُبْع قديما فهى سوقا للنحاسين، وسوقا لصناعة الصفيح، وكذلك اشتهر بأنه سوق لتجارة المكسرات والمسقط (مخلفات الذبائح)، واشتهر أيضا بصناعة القُرَم الخشبية التي تستخدم في تقطيع اللحوم وكذلك صناعة الأخشاب.

تحت الربع


  وفي 19 سبتمبر 1945 تم تسمية شارع تحت الرُبْع بشارع أحمد ماهر تكريما من الحكومة المصرية لرئيس وزرائها الذي تم اغتياله عام 1945 ، ولكن لا يزال يتمسك المصريون باسمه القديم العالق فى أذهانهم شارع تحت الرُبْع .

تم نسخ الرابط