الجمعة 22 نوفمبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

في الثالث من أغسطس الماضي، احتفل الشعب القبطي بمئوية البابا شنودة، وفي السابع عشر من هذا  الشهر يحتفلون  بذكرى رحيله، (3 أغسطس 1923 - 17 مارس 2012). 

إلا أنه وعلى الرغم من رحيله في مثل هذا اليوم قبل 12 عاما، فإنه مازال يداعب خيالهم، وقد جلس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة، في 14 نوفمبر 1971، وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة.

وقد تولى شنودة البابوية بعد موت البابا كيرلس، الذي ولد في 2 أغسطس 1902، ومات في الثلاثاء 9 مارس 1971. 

ويعد الاثنان (شنودة وكيرلس) من أشهر باباوات الكنيسة القبطية، وقد قضي البابا كيرلس 12 عاما على كرسي القديس مرقس، بينما قضى البابا شنودة 41 عاما على سدة الكرازة المرقسية، وتجمع بينهما بعض المفارقات منها أنهما اتفقا في الميلاد والرحيل، فقد ولدا في شهر أغسطس، كما رحلا في شهر مارس.

 وقد ولد البابا شنودة يتيما بقرية "سلام" بمحافظة أسيوط، وكان اسمه المدني "نظير جيد روفائيل"، وعاش طفولة بائسة، حيث رحلت أمه وهي تلده مصابة بحمى النفاس، وظل متنقلا من منزل إلى منزل، مفتقدا للرعاية حتى أُطلق عليه لقب "المنسي".

واستقر به المقام في بيت خالته بحي شبرا، ليقرأ ويتعلم ويستمع حتى توصل لنتيجة  في كتابه "البيداء"، وهي: "أن الإنسان لا بد أن يرحل، ويا ليته يرحل من أجل عمل صالح، وبناء على ذلك ترهبن بدير الأنبا بيشوي، باسم الراهب انطونيوس السرياني، وعينه البطريرك كيرلس أسقفا للتعليم، قبل أن يدخل القرعة الهيكلية. 

وتحول البطريرك إلى راع، والراعي أصبح سفيرا لبلاده، وقال عنه: "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة، حين قابله: "هذا الرجل من زمن آخر". 

وقد عاش الرجل دون أن يرضخ للمتشددين المسيحيين، وأقباط المهجر، عاش يحب بلاده، ويكتم أسرارها بقدر تصاعد المخاوف من خلو الكرسي الباباوي.

ومازالت مواقفه تسير إشكاليات وتساؤلات، فقد رأس السلطة الدينية والسياسية في ظروف انتقالية تشهد إعداد دستور جديد، وبرلمان أغلبيته من الإسلاميين، إن تزامن تغيير السلطة الدينية والسياسية، أعاد إلى الأذهان الفترة عقب مطلع السبعينيات بوفاة عبد الناصر ومجيء السادات، ورحيل كيرلس ذو التوجيهات الروحانية البعيدة عن التدخل في الشئون السياسية، وانتخاب شنودة ذو الصفات الكاريزمية، الذي واجه العديد من العقبات والعوامل، التي دفعت به إلى السياسة، مما أدى إلى المواجهة والصدام لينتهي الأمر بتحديد إقامته في 5 سبمبتر عام 1981. 

مقارنة بين مواقف للبابا شنودة ومثيلتها للبابا تواضروس 

  كان الإيمان المسيحي أحد أهم مطالب البابا شنودة، لذا أصر على عدم الرضوخ في قضية الزواج، حيث رأى أن ما يجمعه الرب لا يفرقه إنسان، وبالتالي رفض الزواج الثاني، إلا اذا توافرت علة الزنا، وقد وصف لائحة 38 بأنها من تأليف "البكوات"، الذين لا يعرفون شيئا عن الإنجيل.

في حين نجد خلفه البابا تواضروس يطالب بلائحة جديدة للأقباط، يتم فيها الأخذ من لائحة "البكوات"! وتقسيم المجلس الإكليركي إلى أكثر من كيان، وفي أكثر من مكان، بعد أن كانت المركزية تحكمه. 

وفي شأن آخر بينما نجد البابا شنودة يصف دير "وادي الريان" بأنه ينشر الهرطقة وتعاليم متى المسكين، فإن البابا تواضروس يعتمده ديرا، ويرسم أساقفته عقب توليه كرسي القديس مارمرقس الرسول! 

وعن زيارة القدس والتقديس المسيحي وزيارة قبر المسيح، نجد رفضا قاطعا من البابا شنودة، على اعتبار أن القدس مدنسة بأقدام بني صهيون قتلة المسيح، وقال في ذلك مقولته الخالدة: "لن نذهب إليها إلا بأيدي إخواننا المسلمين، وهي محررة من قتلة المسيح"، لكن البابا تواضروس أجاز التقديس إلى القدس لكبار السن والمرضى. 

وفي عهد البابا شنودة تم شلح العديد من القساوسة، لكن بمجرد توليه الكرسي أعادهم البابا تواضروس للحياة الروحية من جديد، مثل: الأنبا تكلا أسقف دنشا، والأنبا إيساك، مساعد الأنبا باخوميوسأ، والقمص أندراوس عزيز. 

قضى البابا تواضروس على نفوذ الأنبا بيشوي الرجل الحديدي في الكنسية، الذي كان يصفه البعض بأنه مطرقة البابا شنودة لصفع خصومه.

لكن ينقص البابا تواضروس للنجاح الكامل في ذلك الصفات الكاريزمية، التي تمتع بها البابا شنودة، ومن ثم يتمزق الثوب الشنودي على البابا تواضروس، الذي تجعله المقادير في حيرة، بين أن يقوم بعزلة وزعامة روحية فقط، وأن يعزل نفسه عن السياسة، أو أن يظل يلعب دوره الروحي مع دوره السياسي. 

كما يتساءل البعض عن مدى قدرة البابا تواضروس في الحفاظ على تركة البابا شنودة  من حيث تماسك الكنيسة وقوتها، ففي بلاد المهجر استطاع البابا شنودة السيطرة، وكانت تعاليمه للأساقفة والقساوسة ألا يظهروا كثيرا في المعترك السياسي، لأنه يؤثر على الكنيسة، وسمعتها، ومكانتها، وهبيتها. 

لكنّ حالة من السيولة والتساهل أدرك هؤلاء في عهد البابا تواضروس، الأمر الذي عرّض الكنيسة للانتقاد في أحيان  كثيرة، وقد يكون  الحل الأمثل للكنيسة هو تفعيل دور المجلس  الملي، واختيار قادته لتمثيل الكنيسة في الأمور العامة والسياسية، على أن يبقى  البابا رأسا ورعا وقورا للمؤسسة الكنسية، وهذا ما كان يفعله البابا شنودة، وكان محترفا في ذلك تمام الاحتراف.

  الرجلان (البابا شنودة والبابا تواضروس) يختلفان جزئيا وكليا، والمقارنة بينهما غير موضوعية، للصفات الذاتية والمكتسبة والطبيعية والإمكانات الفردية لكل منهما، لذا كان ينبغي على البابا تواضروس أن يرفض الظهور في رداء البابا شنودة، بأن يسن قواعد جديدة.

تم نسخ الرابط