الجمعة 22 نوفمبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

حاولنا جاهدين أن نخرج من أسر الرجل، وألا نكون دراويش في محرابه، أو جلادين على حياته.

هبط على زماننا، وهو على حد قوله يحترم مهمته، وهي أن يربط الدعوة بأسباب دنيوية.

وقد ساعدنا في هذا، حيث نفى مرارا وتكرارا أن تكون سيرته الذاتية موضوعا في حد ذاتها.

في كل أحاديثه عن حياته كان حريصا على أن يضع بين أيدينا ثمار التجربة، لا التجربة نفسها.

ورحلة الرجل منذ مطلع القرن الماضي، لم تكن رحلة عابر سبيل، بل كانت غزل خيط في نسيج الأحداث الوطنية، فخرج في مظاهرات، وعرف الاستجوابات، والسجون، فصار حتما أن يجد من يكتب عن الشعراوي نفسه، مجبرا على طرح تركيبة العصر، ومتابعة مقدمات الأحداث والنتائج المترتبة عليها، مما يستوجب الغوص وراء التواريخ والأشخاص التي صنعت، أو شاركت في كل ما يجري.

في 15 أبريل من عام 1912، ولد الشعراوي في قرية دقادوس، لأب يعمل في الزراعة، وهو حفيد لجد اختصر الشعراوي حياته قائلا: "كان جدي رجلا له في طريق الله مجال، وقد تفتحت عيناه على الدينا بعد رحيل الإمام محمد عبده، أحد شيوخ الأزهر الأفذاذ، بست سنوات، وكان صدى أفكاره الإصلاحية ما يزال ملء السمع والفكر ، وفي العام الذي توفي فيه الإمام محمد عبده 1905 شهدت مصر أول إضراب في عصرها الحديث، حيث قام الخياطون بإضراب، ليثمر هذا الإضراب، قبل ميلاد الشعراوي بعام واحد، عن ميلاد تسع نقابات للعمل، تضم ثلاثة الاف عضو.

وبعد مولده بثلاث سنوات أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، في عام 1914، ليواكب ذلك استعار نيران الحرب العالمية الأولى، إذن فقد جاء مولده وسط ثلاث قضايا هي كل الوطن.

القضية الأولى تجديد الفكر ، والثانية القضية الاجتماعية وحقوق العمال، والثالثة القضية الوطنية، وهي التذمر من الاستعمار ، حتى إذا بلغ أشُدَّه كانت ثورة 1919.

وعندما بلغ الصبي عتبة الشباب الأول ودرجت عيناه  على ثقافة عصره، إذا به داخل ضجة اهتزت لها مصر كلها على مدى عامي 1925، و1926، ففي العام الأول أصدر الشيخ علي الرازق كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، وهو الكتاب الذي تناول فيه قضية فصل الدولة عن الدين، واهتزت مصر كلها، حيث إن المؤلف من هيئة كبار العلماء، وقاضٍ في محكمة المنصورة، وكان كتابه هذا جديدا على ذهن تمتد جذوره عميقة في أغوار التراث والأصالة.

وفي العام التالي يُصدر طه حسين ـ مستخدما الشك الديكارتي في دراسة الشعر والأدب العربي ـ كتابه “في الشعر الجاهلي”.

ومرة ثانية تموج الأشياء حول الشعراوي، وقبل ذلك بسنتين أعلن أتاتورك إلغاء الخلافة العثمانية الإسلامية.

وصار الوطن يتجه نحو آفاق جديدة، كما شاهد وعيه تلك المعركة التي دارت رحاها بين الشيخ محمد نجيب، ومحمد علي وزير الأوقاف في ذلك الحين، وقد رأى فيها الوزير أن نظام الوقف ليس  إسلاميا، وإذا بالمفتي يتهمه علنا بالكذب والادعاء، بل وصل الأمر لاتهامه بالنفاق والكفر والإلحاد.

وتطو ر الأمر ليصل إلى البرلمان من خلال مقترح بإلغاء منصب المفتي، إنها بلا شك بداية مناسبة تماما لرجل قدر له أن يكون داعية إسلامي، فإذا به منذ نعومة أظافره كما يقول نفسه: “يسبح في بحر متلاطم الأفكار ”، ولا شيء يشحذ الذهن مثل احتدام القضايا.

وفي الحلقة المقبلة نروي تفاصيل جديدة من حياة الرجل والمحنة.

تم نسخ الرابط