انتقام من روح المعاناة، هذا ما قدمه العرض المونودرامي "المشهد الأخير"، الذي كان ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح، من بطولة حنين العايدي، إخراج عمر أشرف، تأليف يوسف ناصر.
والذي يناقش معاناة مصابي الحروق، وما يواجههم من سخرية، حتى إن كانت مخبأة خلف الجمل المعسولة وتحت بند الهزار.
المونودراما "الممثل الواحد"، تقوم الممثلة بدورها بتقديم جميع المشاعر التي يشعر بها هؤلاء الأشخاص، وذلك باستخدام طبقات صوتها وبعض الإكسسوارات.
فيبدأ العرض بظهور فتاة مخبأة خلف الستار، مع إضاءة خافتة تعبر عن حالتها النفسية السيئة، لنسمع صوتها الداخلي الذي يحثها على الخروج من خلف الستار وإرجاع ثقتها في نفسها، لتخرج "ألما" من خلف الستار وهي تصرخ مخبأة وجهها، لتظهر لنا فتاة مصابة بالحروق في نصف وجهها الأيمن، لتبدأ الحديث مع صورتها مستعيدة ذكرياتها عندما كان يتهافت عليها الشباب بسبب جمالها، كما تجسد معاناتها مع من حولها أثناء مواجهتا للناس في الشارع، حتى مع عائلتها التي ترفض خروجها معهم كيلا يراها الآخرون، لنكتشف أن أمها توفيت في نفس حادث الحريق الذي تعرضت له ألما.
وعندما تقرر الخروج للعالم والبحث عن عمل، يقترح عليها أحد الأشخاص أن تعمل في بيت الرعب أو في السيرك، لتوافق على هذا الاقتراح وتعمل بلياتشو لتخبئ وجهها خلف الألوان، فتتحول من شخص يسمع السخرية خلف الكلام المعسول، إلى شخص يواجه الناس بعيوبهم والسخرية منهم، من خلال إلقاء النكات كما كانوا يفعلون معها، لتقرر كشف حقيقتهم أمام أنفسهم.
تقوم حنين بتجسيد معاناة "ألما" من خلال تقمص جميع الشخصيات التي تواجهها ألما في حياتها بعد الحادث، فبسبب وحدتها والضغط النفسي الذي تتعرض له من قبل المحيطين بها، يخلقون من ألما بلياتشو، تكشف حقيقة الناس المزيفين.
تحول ألما وخروجها من ذاتها الذي نراه من خلال رقصها التعبيري، والذي من خلاله بدأت الخروج من ذاتها في نقطة تحول حقيقية، فمن خلال الرقص تقوم ألما بتحريك يديها على جسدها، وكأنها تقوم بتقطيع جلدها لتخرج شخصا آخر يحمل الكراهية لكل من حوله، عازم على الانتقام منهم وبنفس طريقتهم، فتجعل من معاناتهم مصدرا للسخرية، بل وتجبرهم على الضحك عليها، كما كانت تضحك على سخريتهم منها سابقًا، ومن داخلها تتمزق بسبب سخريتهم.
تظهر ألما من بداية العرض وهي ترتدي "شال أمها" المتوفاة، ما يدل عن فقدانها حنان أمها، فكانت تلجأ في كل مرة تشعر بها بقسوة وحدتها، إلى الكرسي الذي كانت تجلس عليه أمها، متخيلة أمها وهي تواسيها وتحميها، وكأنها تبدأ بالمسح على رأسها، وعندما بدأت التحول لم تترك الشال فكانت تنظر له في كل مرة تتحدث فيها عن شكلها ومعاناتها، كما كانت تستخدمه في تغطية المرآة، لكنها تعود وتكشفها فالمرآة بالنسبة لها تكشف حقيقة روحها وليس شكلها، فعندما تنظر إليها ترى شكلها القديم قبل الحادث وكأن المرآة تريد منها العودة عما تفعل، لكن ألما ترفض تلك الحقيقة وتنكر أن المرآة هي من تعكس الحقيقة.
وبالرغم من رفضها تلك الحقيقة، تلجأ كثيرًا للنظر إلى صورتها القديمة، فتظهر في أكثر من مرة خلال العرض، وهي تقف بجانب الصورة وكأنها تقول شاهدوا الفرق.. اشهدوا على تحولي هذا، فليس لي ذنب فيما حدث، هي تريد الرجوع لما كانت عليه ولكنها لا تستطيع حتى الرجوع لروحها السابقة، فقد قررت أن تتحول لبلياتشو.
فكل ما وصلت إليه ألما، يجعلنا نفكر كثيرًا في ما يمر به هؤلاء الأشخاص، وندرك أننا من نزرع بداخلهم روح الانتقام، بعدما كانوا أشخاصًا أسوياء، أو جعلهم مجرد بلياتشو، يختبئ خلف الألوان ويزين بها وجهه، ليخفي بها آثار الحروق على وجهه، بل ويحمل الضغينة لكل من حوله وكل من يسخرون من هيئته، ولنكن على علم أننا من نملك تحويل كل ما هو جميل إلى أسوأ ما يكون.
فقد جعلتنا شهودًا على ما تعرضت له من أول لحظة، وذلك من خلال توجيهها الحديث المباشر إلى الجمهور، فجعلتنا متهمين مثلهم، وكأننا من قمنا برفضها
واختتمت المسرحية بنزولها بين الجمهور، بعد تغطيتها للمرآة وهي تودع روحها قائلة: "مع السلامة يا ألما أنا كدا وصلتك للمشهد الأخير، وإللي جاي بدايتي أنا"
كما جاءت الملابس لتعبر عن حالة ألما النفسية وتحولها فقد تم تغيير الفستان الأبيض الذي كان يعبر عن نقاء روحها في بداية العرض، إلى ملابس البلياتشو المليئة بالرقع من جميع الألوان التي تعبر عن تشتت حالتها النفسية ومشاعرها.
ثم تضاء الأنوار الصاخبة مثل أضواء السيرك، لتسير بين الجمهور وهي تضحك ضحكات هستيرية، فألما أصبحت بيننا وسوف تنتقم بطريقتها الخاصة، متناسية جمال روحها، جعلت الوحش الذي خلقناه بداخلها هو من يتعامل معنا.
من وجهة نظري استطاعت هذه التجربة، النجاح إلى حد ما في إيصال ما كانت تهدف إليه، فلقد حاولت الممثلة توصيل مشاعرها إلى الجميع، فهي شخصية موهوبة ولديها إحساس فني جيد، ومع العمل على هذه الموهبة وتنميتها أعتقد أنها سيكون لها شأن ما في المستقبل.