الإثنين 16 سبتمبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

قد يقع المرء فريسة المغالطات اللغوية، في اختلاف المعني بين كل من المصطلحات السابقة، فعند التصنيف الادبي يخضع تعريف الوصل، لحتمية المشاعر ومنطقية الاحاسيس، بينما الاتصال يرتبط لغويا بوسائل علمية ومنطقية وفيزيائية، مصنفة ومحددة بلا معان خفية.

بينما الواقع يعكس كلمة الوصل بمعني اللٌحمه في مكان الكسر، أو المكان الذي تتحد فيه المفاصل بالجسد الواحد، لتكن ركيزة لحركة الجسم فيزيائيا، ويأتي الاتصال ليعبر عن الوسيلة التي تنقل الأفكار والمعلومات والمشاعر بين شخصين أو أكثر، إذا المعني اللغوي لا يُطبق روح الكلمة في كلا المصطلحين. 

وعلى العكس من هذا الأمر نجده في كلمتي الاتحاد والتعاون، فكلاهما يعكس المشاركة والاستمرارية لتحقيق هدف مشترك، يفصل بينهما المضاد لمصدرهما، فالاتحاد مصدر التعاون والعكس صحيح، بينما عكس كلمة اتحاد لغويا هو فرقة أو تفرقة، وكلمة تعاون التي هي في سياق معنى كلمة اتحاد، يأتي عكسها ليكون الترك والفرقة أيضا، لذا لازم كلا المصطلحين الوصال والتواصل، ليكملا معا سبل التواصل، لتحقيق منطق ومرجعية ذهنية تهدف للتماسك المجتمعي.

منطق هذا التماسك، هو الوصل والتواصل بين أجزاء المجتمع سليم الفطرة، القائم على إحلال التعاون، كملجأ اجتماعي من أجل اعلاء شأن المجتمع، وبالتالي رفعة أفراده، والبديهي في المجتمع الراقي (فكريا) أن يتصف بالرقي، وألا يخضع شأنه شأن المجتمعات التي ينسحب منها مقومات المجتمع السليم، والتي بالتعرض لها تتلخص جميعها في وجود ميزان عادل لمنهجية توزيع الثروات الاجتماعية وتدرج الفئات، سواء بالطبقية أو بدونها.

ولتوضيح ما سبق بأبسط الوسائل المتاحة في البناء، ألا وهي أمثلة الحياة العامة، نبدأها بمثال من واقع تجربة شخصية حدثت بالفعل...

وجدت في مناقشة ودية مع أحد الأصدقاء، والذي يشتغل بالشعر، وهو قد ذكر لي في معرض حديثه ان مجموعة من العمال، كان في وقت من الأوقات المشرف الخاص بتوجيههم لأداء عملهم على أكمل وجه، نال منهم اليأس والتباطؤ الاجتماعي، حط على أنفسهم الكسل النفسي، وبعضا من خطيئة الشره، التي تأتي متزامنة مع العطل عن العمل، أو التوقف عن الحركة،  واشتهاء الكسل، الذي هو ببساطة الامر لو تناولناه ليس إلا شر يقدمه لنا شيطان، يسول للنفس كل ما يحتاط العقل البشري ضده، فيجعل الخطيئة حلم، رغم انها في واقع العقل والمنطق كابوس، وييسر الطريق المظلم المجهول النهاية، فيُبيد نزعة العقل في مشاورة القلب، لمواصلة الطريق، والأداء المتكامل للواجبات، ومن هنا يُخلق الترك، ويعمل على أن يفصل بين المرء، ومفاصله الداخلية التي تجعله يقيم الأمور بمنطقه السليم الفطرة، وفي حالة مثال العمال، ما كان منهم إلا أن رفضوا توجيه المشرف لرفع أدائهم الوظيفي، وذلك أمر مفروغ منه كي ينالوا مستحقاتهم الوظيفية، وحين قص على الحدث هذا الصديق، الذي كان محبط من الامر، يظن خطاء انه قد فشل في مراودتهم عن شيطانهم، رغم انه نجح دون ان يدرك، ويتمثل نجاحه في امرين، ولتفسير هذا المنطق، أعرضه كالاتي..

الأول. لقد قام هذا الصديق الشاعر بكسر شيطان كسله، وجعله مسيرا لإرادته الخاصة، ولأمره هو وليس لأمر الوساوس والشكوك المحيطة به في بيئة العمل، رغم سهولة الاستمالة للجانب المظلم، والغريب في الامر كونه لم ينتبه لهذا النجاح، بل احتسبه على نفسه نافلة فشل، بينما هو مقاوم شجاع في معركة ابدية لا نهاية لها، بين العدل والعدالة من طرف، وبين الحق والاستحقاقية من الطرف الاخر.

الامر الثاني. كونه أيقظ و لو ذرة في نفس واحد من هؤلاء العمال، بتحريض بقايا الإنسانية المنقضية في داخله، فهذا أمر يُحسب له، خاصة أن النصيحة خير صدقة.

وبالتطرق للحادث الخاص بالعمال، نرى أن هذا المثال منتشر في المجتمع بتفشي، فمثلا المُعلم بلا رقيب، لا يُكمل مهمته التعليمية والتربوية على أكمل وجه، واستكمالا لنفس الدورة الوظيفية يأتي، الطالب بلا إشراف لا يقوم بأداء واجباته ولا يعمل على استذكار درسه كما ينبغي لو تمكن من محاربة نفسه الآمرة بالترك، التي تُجمل له الكسل وتُيسر له الفشل، فيسعى له دون تفكير.

والسؤال الأهم هنا، لماذا تتمكن خطيئة الكسل من الانسان، ولماذا تأتي متبوعة بالشره، وليس هنا المقصود بالشره في الاكل، لكن التهافت على كل المخدرات التي توحي للجسد بعدم إمكانيته

 او قدرته علـي القيام بالمطلوب منه بغرض الاستمرارية النوعية، وتسيطر علي العقل وتوجهه نحو الترك وفقط، وهنا لابد من طرح المصطلح الموالي لمنطق الترك والتكاسل، إلا وهو مصطلح الالتزام،،،

ما معنى الالتزام!

الالتزام هو الإرادة والسعي نحو تحقيق الارتباط المزمع، سواء مادي او معنوي، فالعمل يعد ارتباط خاضع لكلا النوعين، لان الانسان بمجرد توجيه نفسه وعقله نحو عمل ما، فهو يلتزم بعقد مع الجهة المسؤولة، وقبل كل هذا يكون قد تعاقد مع نفسه معنويا والزمها بسداد ما عليها من واجبات في سبيل الحصول على الحقوق المستحقة، أو هكذا لابد أن يكون الوضع.

لكن في بعض الأحيان، الواقع يأتي بعكس كل هذا، نجد الإلزامية خاضعة للشخص نفسه وخبراته وبيئته التي نشأ فيها، وقد يقع تحت وطأة تأثير العوامل الوراثية أيضا. 

التواكل والكسل والترك والتخاذل واليأس وغيرها من العوامل، والمشاعر التي تقمع إنتاجية العقل، وتخضعه للنهايات دوما، ولا تجعل البناء غرضه الاصيل ابدا...

جميعها قد تخضع للأمراض الاجتماعية أو النفسية، فلا عجب أن الانتحار أحد سبل اليأس والترك والصمت، وأذكر لكم مثال، حيث انه في رسالة لأحد المنتحرين جاءت كلماته لتذكر كونه يعجز عن مواجهة والده بما فعل به وبـأمه من فواحش، لذا قرر الفرار ومفارقة الحياة، وذلك لان بداخله هو عاجز عن التواصل والوصل، عن التعبير عن مشاعر صامتة لا تجد المتنفس لها، فعمد الي ترك الحياة التي يعجز عن أن يكون بين افرادها فرد عامل ومنتج، عجز عن الرضا والسعادة، فغادر الحياة، أو غادر الوحدة الأساسية التي ينتمي اليها هو والتي هي المكونة للمجتمع؛ الاسرة، حيث الحنان والوصل والمشاعر من القواعد الأساسية لبنائها، لكن في حالة هذا الشاب المنتحر، فالاتصال والوصل في غياب تام.

الرضا والسعادة عاملان متناسبان طرديا داخل كل انسان، فكل فرد من أفراد المجتمع يعمل ليسعد نفسه ليجعلها في عصمة الرضا، ومن ثم يخلق حالة من هيمنة المعرفة والنور، تُغلق الجهل والظلام الذين يخلقان اليأس ويجعلان الانتحار الوسيلة الوحيدة المتبقية أمام العقل.

مقال الوصل والتواصل

بقلم شيماء موسى

يوليو ٢٠٢٣

تم نسخ الرابط