السبت 23 نوفمبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

«نظمي لوقا» تمسك بمسيحيته فأنصف الإسلام في كتابه «محمد وحياته الخاصة»

بالمصري

- أعمال الكبار كبيرة مثلهم، وأوهام الصغار صغيرة مثلهم، لوقا واصفا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وخصومه
-زواج النبي من السيدة عائشة لم يكن مبتدئا أو مستحدثا فالسيدة عائشة كانت مخطوبة قبل خطبتها لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
- التاريخ يذكر الكثير من أصحاب الرسالات عرفوا التعدد بالمئات، فلماذا يَحرُم على زيد ما يُرى أضعافه حلالا عند عمرو ؟!

كتاب محمد وحياته الخاصة 

الدكتور نظمي لوقا الذي ولد في عام  ١٩٢٠، ورحل في عام  ١٩٨٧، وما بين التاريخين عاش رجلا نبيلا، متجردا من كل غرض ومنصفا للحق والحقيقة، فكما قال أفلاطون: "إني أحب "سقراط" ولكن حبي للحقيقة أشد"، يقول "لوقا": "لئن أنصفت الإسلام في كتاباتي فليس من منطلق التخلي عن مسيحتي، بل من منطلق التمسك بها في جوهرها وأخلاقياتها، ولذا يتعين علي أن أواصل كفاحي  لمحو الأمية الفكرية وانتمائي الوطني والقومي".

ويسر موقع " بالمصري "، أن يعرض أحد كتب الدكتور نظمي لوقا، والذي يساهم في إزالة بعض الافتراءات التي ألصقها به البعض من خصوم الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، ففي كتاب "محمد وحياته الخاصة" الصادر عن مكتبة "غريب" عام ١٩٥٩، تناول المؤلف حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تحت عدة عناوين بإنصاف ونزاهة وموضوعية تناقش العقل من خلال أسمى منهج علمي، بعيدًا عن العنصرية والتعصب. 

الفصل الأول: "معني الشرف والشرفاء".
 

في هذا الفصل يتحدث المؤلف عن فكرة الأمانة الشرف الذي ينبغي أن يكون ديدان كل الشرفاء على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم وأفكارهم وهدفهم الأساس، فهو الدافع لهم للإخلاص للحقيقة والتجرد من كل هوى، فالحماس للحق فقط أينما كان، والغيرة عليه من دعائم الشرف القديم، فما الشرف إلا أن نتجاوز أشخاصنا المحدودة إلى القيم التي لا يعنينا أن تصب لصالحنا أو لصالح غيرنا.

وحفاظا على هذا المعنى والتزاما به أوجب لوقا على نفسه الإنصاف لشخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن شهادة الحق يجب أن تكون التزاما لكل متجرد باحثا عن الحقيقة ولا شيء غيرها، ثم ينقلنا الكاتب إلى فصل جديد يحمل عنوان:

"الأمية والجهل"

بدأ حديثه في ذلك الفصل بالآية الكريمة: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ"، أشار لوقا إلى أن المستفاد  من هذه الآية، على الأرجح، والمقصود بالأميين، أهل الأمم من غير بني إسرائيل الذين كانوا يسمون أنفسهم الشعب المختار الذي اختص بالهداية والنبوة، وأن غيرهم من سائر الأمم أمميون، أو "أميون"  أي لا نبوة ولا هداية لهم، فجاءت هذه الآية  لتقرر رحمة الله التي شملت "الأميين"، إذ أرسل فيهم رسولا منهم، ثم يستطرد مدافعا عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد أعدائه من المستشرقين والمغرضين، والذين اتخذوا من الأمية أي عدم معرفة الرسول للقراءة والكتابة ماده للسخرية والحط من قدره، وأخذ يفرق ما بين الجهل والأمية، قائلًا: "ليس كل جاهل أمي وليس كل أمي جاهل"، ثم فصل حديثه قائلا: "إن من يغلق عينه  دون النور إنما يضر عينه ولا يضير النور".
ثم أضاف في فصله الثالث والذي حمل عنوان  :
 

" جموح  الشهوة وتعدد  الزوجات "

ما يدافع به عن فرية جموح الشهوة لدى الرسول صلى الله عليه وسلم وتعدد زوجاته ، فذكر بأن وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم بانه شهواني ولا صبر له عن انساء باطل، وضرب مثالا  ليصل معنا الي دحض هذه الفرية ،   وكان المثل عن تعدد المأكولات وأصنافها على مائدة الطعام ، إذ أن  صاحبها ، رغم تعددها ، غير شره للطعام ، ولا نفسه معلقه بكل طعام رغم كثرته وتنوعه ،  وقد يكون صاحب الطعام الواحد شرها  لأن نفسه  تتعلق بالمأكل . وفند الرجل فرية تعدد زوجات النبي ذاكرا أن ذلك من باب إرساء القيم السامية وصنع الأواصر الإنسانية ، وتكريما للشخصية الآدمية في المرأة ،  ولا يقوم علي طلب اللذة ، وعمد الكاتب الي  تفنيد  تلك الفريه العالقة بالنبي في بقية الفصول .  وفي ذلك الفصل يعرض أول زواج في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من السيدة خديجة ، وكيف اكتفي بها زوجة  واحدة ، وهو في  فورة شبابه  وهي تكبره بأعوام كثيرة ، واستطرد  إلى وفاء النبي للسيدة خديجة وحبه الجارف لها ،  وأن العبرة في تعدد الزوجات  لا يفهمها  حق الفهم إلا من قدر المرحلة  الطويلة من عمره  صلالله عليه وسلم   ،  والتي  كان فيها له زوجة واحدة تكبره بأعوام في فترة الشباب العارم  والرجولة  الفتية فأين الشهوانية والميل للنساء ؟  ثم ينقلنا الكتاب إلى الفرق بين " النزوة  والنخوة"  في تعدد زوجات النبي،  فمثلا في زواجه من "سودة بنت زمعة"، والتي عادت من هجرة الحبشة وقد فقدت زوجها تحت ترابها ، وعائدة  مكسورة  وليس لها أحد، وكبيرة السن ، ولكنه النبي الذي أراد أن يحفظها  فتزوجها ، وهي عجوز  ليس لها بالرجال مأرب، وبالطبع الكل يعرف قصه زواجه من حفصة بنت عمر رضي الله عنهما .
 

وفي الفصل السادس : يتكلم عن  المواساة في زواج السيدة أم سلمة  ، وقد تناول جانب كبير من المعاناة التي لقيتها السيدة " أم سلمة "، وصورا من جهادها وتحملها  الأذى في سبيل دينها، ثم تحدث عن  ظروف استشهاد  زوجها ، فما كان من النبي نخوة ، لا نزوة ، إلا ان واساها بنفسه  فحفظها  من عنت مجتمعها، وحفظ  أبناءها  من التيتم ،  ثم ينقلنا الكاتب في مهارة  عن ظروف زواج النبي صلى الله عليه وسلم ،  من " جويرية  بنت الحارث "  وقد عاد بها المسلمون  إلى المدينة  أسيرة بعد ان كانت عزيزة قوم ذلت ،  فدفع النبي صلالله عليه وسلم    فديتها  لتصير حرة  وتزوجها  بعد ذلك ليجمع بين نبل الفروسية ، والإلهام الشديد ، وكيف  كان ذلك سببا في أسر النبي لقلب أبيها  سيد قومه فأسلم وأسلم القوم ،  ثم ينقلنا إلى من فقدت الأب  والأخ والزوج  في معركة المسلمين مع يهود بني النضير ، عزيزة قوم أخرى وقعت في السبي "صفيه بنت حيي ابن  اخطب "، فما كان من نبي الرحمة  إلا أن يمسح على قلبها ويجبر خاطرها الأليم،  إذا كان الباعث  على الزواج منها هو جبر "خاطر كسيرة "حركت النبي النخوة لا النزوة،  ولكنه ضلال القوم وإفكهم .
 

ونجد " رملة بنت أبي سفيان " التي أسلمت مع زوجها عبد الله بن جحش وذهبت معه إلى الغربة في الحبشة ، فإذا بزوجها يتخلى عنها وعن عقيدته  ،  فأرسل إلى " النجاشي"  ليخبطها،  ووكل النجاشي  في تزويجها  منه ،  فانقلب الموقف من سخرية وشماتة إلى عزة وكرامة،  ليطلق أبو سفيان  كلمته : " هذا الفحل لا يجدع له أنف "، فقد تزوج النبي بنت أبي سفيان بدافع النخوة والرجولة وهذا عمل جليل رائع ، فعاد المؤلف ليصف النبي بذلك الوصف .  
 

ثم استطرد الكاتب في هبة السيدة ميمونة نفسها للنبي وهي ميمونة بنت الحارث  لتنال شرف الانضمام إلى  امهات المؤمنين  . إلا أن الجدل كل الجدل يقع في اثنتين من الزوجات  : "زينب  بنت جحش  " وعائشة بنت أبي بكر "، زينب بنت جحش زوجة  للصحابي الجليل "زيد بن حارثه "، والذي كان ابنا بالتبني  للنبي صلالله عليه وسلم    ، إلا أن وحيا من السماء نزل ليبطل  التبني  التي لا أساس لها ، وأن  زواج النبي من زينب  بعد طلاقها من زيد  بن حارثة عملا من أعمال النخوة وليس هوى صبيانيا طائشا ، ولكن  هل كان هذا الموقف السامي، في فطنته ونبله، بالذي يرتفع إلى مستواه كل عقل  ؟ إن كل العقول تغرم بزخرفة الخيال وأوهام الحس الشائعة بين سواد الناس ، فكان ما كان من  اختلاف  الفهم  أو تلفيق  البهتان ، ثم ينقلنا  الكاتب إلى الزيجة  الأكثر جدلا عند المستشرقين والتي وصفها هؤلاء بقولهم :" انتهاك الطفولة " ، وهو زواج النبي صلالله عليه وسلم    من السيده عائشة، وأن هذا الزواج قد انتهك طفولتها، على حد زعمهم،  وهذا محض افتراء شرع المؤلف في تفنيده ، فظروف الرسول مع كل زيجاته  تدفع عنه كل ما يقال من سوء ،  وتناول المؤلف اختلاف المؤرخين  في تحديد سن السيدة " عائشة " عند زوجها من" النبي " صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا توجد شهادات ميلاد في ذلك الحين ، وأن الزواج بمثل من كان في سن عائشة قائم  في تلك البيئة  الصحراوية ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مبتدئا أو مستحدثا  مثل هذا الزواج ، حيث إن السيدة عائشة كانت مخطوبة قبل خطبتها للنبي صلعليه وسلم        .
 

وفي خاتمة الكتاب، وبعد أن فند ودافع المؤلف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : " وليذكر الذاكرون أن التاريخ كم وعى من رجالات أصحاب رسالات كانت لهم  الزوجات الكثيرات بالعشرات والمئات،  وعدد كبير من السراري ، ولم يقدح ذلك في فضلهم ظاهرا وباطنا ، ولا أزال ما في دعواتهم من أثر في القلوب والعقول ، وهل نسي  الناس داود ،  وسليمان ، وغير داود وسليمان ؟ فكيف لا يُحسب هذا التعدد اليسير  إلا علي محمد بن عبد الله دون سواه ؟ ومن المعلوم أن الميزان المستقيم  لا يكيل   بمكيلين،  و لا يحرم على زيد ما يرى أضعافه غير حرام على عمرو ، ومن يظلم إنما يظلم نفسه، ومن يجور في الحكم إنما يضير تفكيره  وضميره .

تم نسخ الرابط