الليلة الكبيرة لها تأثير كبير في نفوسنا جميعًا، ولم أكن أعلم عن الموالد شيئًا سوى أنها مقر للعب واللهو وشراء الحلوى ومشاهدة الغوازي- بلغتنا المصرية الأصيلة- كما مثّلها لنا الفنان صلاح السقا إخراجًا مسرحيًا بعرائس ناجي شاكر، وألحان الرائع سيد مكاوي، وكلمات جميل الروح صلاح جاهين، ومثلوها بالأراجوز، وكما قال "تمشي كده على طول على طول" لكن أنا لم أمشِ على طول، ولكني أحببت أن أعرف أصول الموالد في مصر فهي ترجع في الأصل إلى مصر الفرعونية كأنواع من الاحتفالات الدينية الخاصة بالآلهة أمون- إيزيس وغيرها من الآلهة المحلية.
فالموالد ترجع أصولها للمصريين القدماء، وـخذها بعد ذلك الأقباط المصريون، وبعدهم المسلمون. ولكن الموالد لا تنسب لمولد الشخص المحتفل به بل لتاريخ موته عند كل من القدماء المصريين أو الأقباط أو المسلمين.
وطوّر المصريون القدماء طرقًا متعددة للتقرّب من آلهتهم، إذ كانوا يقدّمون النذور والأضاحي والقرابين، ويتوجّهون إليها لحل مشاكلهم الخاصّة والعامّة، وإقامة الصلوات والاحتفالات الدينية والشعبيّة خصوصًا في عهد الدولة الحديثة.
ولم يشتهر المصريون باستخدام مصطلح المولد، إذ استخدموا بدلًا منه مصطلح "الأعياد" الذي تنوعت أنواعه كثيرًا، بينها الأعياد الدينية المختلفة وأعياد الجبانة والفرعون والأعياد الزراعية. وكانت هذه الأعياد تحمل في الأساس طابعًا دينيًا، ولكن لم تلبث أن تحولت إلى مناسبات لإقامة الاحتفالات الكبيرة والمواكب الضخمة.
في الوقت ذاته، كان الاحتفال في العصر القبطي يتم عن طريق اسم "أعياد القديسين"، وقد بدأ الأمر عن طريق تكريم القديس وتقليده ومتابعته من خلال الصلاة والقداس وقراءة سيرته الذاتية، ونذر الشموع والبخور والأدوات اللازمة للكنائس، وذبح الذبائح لإطعام الفقراء والمحتاجين. ويعود تاريخ الكنيسة القبطية إلى حياة القديسين ومعجزاتهم وبركاتهم، ويتوافد الناس على كنائس المدن المختلفة للتعبير عن احترامهم لهذه الشخصيات الدينية والتاريخية.
وعُرفت جميع الأعياد في العصر العربي بتسمية "الميلاد"، وهو اسم غير دقيق، تمثّل بهذه الاحتفالات استشهاد القديس أو وفاته بعد إتمامه يوم جهاده.
ومن أشهر تلك الموالد القبطية في مصر هي مولد السيدة العذراء، وتفرد لها الكنيسة سبعة أعياد سنوية هة:
١- عيد البشارة بميلادها ويقع في ٧ مسري ١٣ أغسطس.
٢- عيد ميلادها ويقع في ١ بشنس ٩ مايو.
٣- عيد دخولها إلى الهيكل حسب نذر والديها ويقع في ٢ كهيك ١١ ديسمبر.
٤- عيد دخول العائلة المقدسة إلي أرض مصر يقع في ٢٤ بشنس ١ يونيو.
٥- عيد نياحتها "وفاتها" ويقع في٢١ طوبة ٣١ يناير.
٦- عيد بناء أول كنيسة علي اسم السيدة العذراء ويعرف بعيد العذراء حالة الحديد ويقع في ٢١ بؤونة ٢٨ يونيو.
٧- عيد صعود جسد السيدة العذراء ويقع في ١٦ مسري ٢٢ أغسطس، ويسبقه صوم لمدة ١٥ يومًا يبدأ من ١ مسري ٧ أغسطس.
مولد الشهيد مارجرجس يعرف بأمير الشهداء، تذكار استشهاده في ٢٢ برمودة ١ مايو ويعرفه الأقباط بأبو حربة الروماني- السريع الندهة- البطل- الفارس الشجاع.
مولد الشهيدة العفيفة القديسة دميانة تذكار استشهادها يقع في ١٣ طوبة ٢١ يناير، ولها عيد آخر هو تذكار تكريس كنيستها ببلقاس ويقع في ١٢ بشنس ٢٠ مايو.
مولد القديس الأنبا برسوم العريان تذكار وفاته يقع في اليوم الأخير من الشهر الصغير النسيء ٥ منه إذا كانت السنة بسيطة، و٦ إذا كانت السنة كبيسة، لقب بالعريان لأنه كان يسير شبه عارٍ كنوع من التقشف والزهد في الملبس، وأن من مظاهر التسامح عند المصريين أن المسلمين أيضًا يحتفلون مع الأقباط داخل الاحتفال، فهم يجلونه ويشيرون إليه كما سمعت "سيدي محمد برسوم العريان". وهذا ما كان في أحد مشاهد فيلم عادل امام مولد سيدي محمد العريان.
في مصر، الموالد ليست فقط للهو واللعب، بل هي عادة ذات طابع ديني. ولكن يشتهر المصريون بتغييرهم واتباع العادات القديمة الثابتة ولكن بوضع لمساتهم الثقافية، حيث تأخذ المناطق والمدن ملامح ثقافية فريدة بها، مثل فن الأراجوز والألعاب الشعبية والأكلات والصناعات اليدوية. وهي من الطابع الاقتصادي الذي يترتب على إقامة المواليد في مصر، حيث يختلف الأمر من شخص إلى آخر بحسب الأسرة حيث العمق الاجتماعي، حيث من يتزوج ومن يذهب للدعاء للإنجاب وحل المشكلات العائلية ومن يدعو بما يتمنى. ولا تخصص الموالد لدعم الطوائف المتدينة فقط، فهي تجمع كل طوائف المجتمع المصري بفضل قوة واحترام اللحمة بينهم. ويظل شعار المصريين: الدين لله والوطن للجميع، وحفظ الله مصر وحفظ شعبها.
