من أصعب المشاعر التي نشعر بها، هي وداع صديق رحل عن عالمنا، مشاعر قاسية لأن جزءا منك يموت للأبد ولا يرجع كما كان.
ما إن سمعت خبر رحيلك، والذي مر كأنه برق ولكنه بثقل الجبال، معه تداعت كل الذكريات التي كانت بيننا، مسيرنا على شط البحر الصغير ومسامراتنا وأحلامك التي كانت تدور كلها حول أن تكون إنسانا وإنسانا فقط، حديثك بحزن عن تلك السيدة الفقيرة التي هممت بنجدتها كانت عيناك تلمع فرحًا، وحزنًا فرحًا لأنك قدمت لها شيئًا من المروءة والإنسانية، وحزنا على وضعها البائس فقرًا وحاجة.
تتداعى تلك الذكريات لتوقظ صورتك التي غابت عنا، ومع تلك اللحظة ندرك أن الدنيا صغيرة، ويبدو أن الأيام السعيدة فيها قصيرة وسريعة، لكن هذه هي الحياة.
لم أرَ في حياتي، إنسانا أحب الناس كما أحبهم الدكتور طارق الباز، لقد كان يحب كل الناس، وأعتقد أنه لم يكره أحدًا، كان مترفعًا عن الدنيا، كانت له نفس وروح محبة للجميع، مات المتفائل الذي كان يعانق الأمل دائمًا، كانت ممتعة ـن يجلس على شاطئ البحر يصطاد، كان يقول الماء وتجدده صديقي الفيلسوف، جلساته تلك كانت بمثابة مجدد لنقاء روحه، كان الصيد عنده إحدى الهوايات التي لم تفارقه عقب إغلاق عيادته، كان يجلس على أديم الماء وحيدًا هو والماء والسنارة متأملا وحيدًا المنشأ والملجأ، سير الحياة وعبرها ودروسها الجديدة والمتجددة دائمًا، علمته تلك الهواية الصبر وطول البال، وسكينة النفس والتصالح بين الظاهر والباطن، ما رأيته في جنازتك المهيبة تلك كانت الدموع فيها صادقة، كل صرخات الحزن فيها كاشفة كم كنت نبيلا عشت بين أهلك وبيننا، متواضعا راقيا، قيل في الأثر: ألسنة البشر أحبار القلم، كنت إنسانا يقابل الناس ببشاشة وجه، ولين قلب وعلى ثغرك ابتسامة لا تفارقك محياك، كانت تلك الابتسامة ترياقًا للمتعبين الذين تقطعت بهم سبل الحياة.. مات الجسد ولم يمت المعنى، كنت راقيا نبيلا كريما.