مشهد- 1
علي أحد مكاتب تلك الجريدة العتيقة، تراه جالسا، صامتا، تملأ وجهه ابتسامة أدامها الله لقلوب محبيه، ومن خلف نظارته الطبية، وشاشة حاسب آلي، يدقق كلمات كتبها صحفي برعونة معتمداً علي من خلفه، أمثال مولانا، لتخرج بسلاسة لقارئ عزف منذ زمن عن قراءة الصحف الورقية.
مشهد- 2
فتى ريفي، يصمت أكثر مما يتحدث، يختبئ خلف خجله الذي منعه من تحقيق أحلامه التي طالما تمني تحقيقها علي أرض الواقع، وبيده ورقه تفوح منها رائحة الحبر والمطابع، مدون عليها كلمات عن أحد أساتذته الخطاطين، أراد أن ينشرها في إحدى المجلات التي لا يقرؤها إلا أصحابها.
ولأنها كتبت بحب، أراد هذا الفتى أن تخرج للنور بحب، دون أن تشوبها تلك الأخطاء النحوية والإملائية التي اعتاد صحفيو هذا الزمان الكتابة بها. بعد تفكير كبير، لم يجد إلا صاحب الوجه البشوش- الذي كان يجهل اسمه حينها- ليعرض عليه ما كتب، ووقف الخجل حائلا بينه وبين ما يريد لساعات طويلة.
مشهد - 3
مدخل الجريدة، مزين باسمها وببعض اللوحات، ويجلس في منتصفها موظف الاستقبال. الريفي ما زال ممسكا بالورقة، والخجل لا يزال يسيطر عليه. في ظل تردده وخجله تصادف مرور صاحب الوجه البشوش- لا حرمنا الله منه- بجواره، تغلب على خجله قائلا: "أستاذ... بعد أذنك... أنا محمد زميلك هنا... كنت كاتب حاجة ومحتاج رأي حضرتك فيها؟".
سبقت ضحكة الأستاذ ترحيبه: أهلا بيك.. وريني.. الله خطك حلو أوي.. بس ممكن تكتبهالي علي الكمبيوتر وتبعتهالي علي الواتس... خد رقمي.
مشهد -4
تنفس الريفي الصعداء، بعدما شرحت صدره، حفاوة اللحظة الأولى مع صاحب الوجه البشوش، وبنبضات قلب متسارعة، وبيد مرتعشة، شرع في كتابه ما دونه علي الورق، سرعان ما انتهى منها، وذهب إلى أستاذه الجديد، قائلا: أنا بعتها لحضرتك
الأستاذ: حبيبي... تحت أمرك هبص عليها وابعتهالك.
مرت عقارب الساعة ببطء حتى أرسل الأستاذ رسالة إلى الريفي المختبيء خلف خجله ولم يجد من كلمات الشكر ما يقوله.. حتى قطع صمته كلمات صديقة المستقبلي: "إيه الإبداع ده.. كلماتك أدبية وليست صحفية.. قمت فقط بتحويلها إلي صياغة تصلح للنشر"..
كانت هذه الانطلاقة الأولى، لتتحول تلك العلاقة الصامتة إلي علاقة حب خالص بيني وبين أستاذي وقدوتي رحاب الدين الهواري، صداقة انتشلتني من طريق مسدود قادتني خطواتي المتثاقلة إليه.
تحت عنوان" خمسين شخصا احببت "، كتب الشاعر أشرف ضمر في وصف مولانا:" وكأنه روما القديمة، المدينة العظيمة الأسطورية، كل الطرق تؤدي إليه، طريق العمل، سماء المحبة، نهر الصداقة، دهاليز الكتابة والمطبعة والنشر والتوزيع، نواصي الثقافة، مسالك النقاء والابتسامة الدائمة التي ينثرها على الجميع كصدقات جارية وخالدة، هو مولانا رحاب الدين الهواري، ذو الأصول العائدة لقبيلة هوارة العظيمة، مغيث الملهوف وصانع المعروف في أهله وفي غير أهله، فقط لأن مولانا هو أهله ".
هكذا أبدع الشاعر في وصف مولانا، وسجن حروف محبي الهواري في الخروج للكتابة عن وصفه، فكيف لحرف أن يخرج وهو يعلم جيدا أن مصير كلماته لا تساوي شيئا بجوار كلمات الشاعر والكاتب الصحفي أشرف ضمر.
مولانا رحاب الدين، لا أجد من الكلمات ما أستطيع به رد أفضالك، وكيف كان لك الفضل في تغيير وجهتي للأفضل، فصرت معدا بفضلك، وصحفيا بدعمك، وإنسانا بفضل ما تعلمته منك من خلق حميد.
في النهاية لا أجد أفضل مما قاله صديقك أشرف ضمر لأختم به كلماتي" أحبك أيها الهواري العظيم، ومن ذا الذي لا يحبك؟! دمت لنا يا مولانا، ولا حرمنا من قلمك وكلامك وحضورك البهي دائما ".