«نرطن بالنوبي يا فندم».. أحمد إدريس صاحب شفرة النصر بحرب أكتوبر
في أعقاب النكسة عام 1967 وبعد احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء، بدأت القيادات العسكرية في التخطيط لاستعادة الأرض، ولكن كانت هناك عدة عقبات واجهتهم في نقل الأوامر والرسائل السرية، حيث استطاعت إسرائيل تقريبا فك كل الشفرت السرية التي استخدمتها قيادات الجيش حينها واختراق الاتصالات المصرية أكثر من مرة.
شفرة النصر
وفي عام 1971، كان الرئيس الراحل أنور السادات في حالة غضب شديدة بسبب تكرار اختراق القوات الإسرائيلية للاتصالات المصرية، وفك شفرات الرسائل السرية، فأصدر أوامره بتقديم تصورات من قبل قادة الكتائب والوحدات المشاركة لحل هذه الأزمة.
وفي أثناء استياء الجميع وانغماسهم في التفكير، نظر إليهم صول يدعى «أحمد إدريس» أحد أبناء النوبة وأصدر ضحكات عالية؛ لينظر إليه قائده في استغراب ويسأله عن سبب ضحكه غير المبرر في مثل هذا الموقف، ليرد الصول: «حاجة سهلة يا فندم»، وازداد تعجب القادة من رد فعل الشاويش للمرة الثانية، ويسأله الضابط: «إزاي حاجة سهلة يا أحمد؟»، ليرد قائلًا: «نرطن بالنوبي يا فندم، لغة تتقال وملهاش حروف نكتبها بالعربي».
شفرة اللغة النوبية
وفي ثوان قليلة، بدأت الفكرة تنتقل من قادة الكتيبة لقائد الجيش الذي أبلغ بدوره الرئيس السادات والذي سأله: «مين سمع الكلام بتاع الشاويش غيركم انتوا الـ5»، ليرد قائلًا: «مفيش يا فندم»، فقال السادات: «لو الموضوع ده اتسرب هحاكمكم أنتم وهو».
وطلب الرئيس السادات مقابلة الشاويش أحمد إدريس، وليبدو الأمر طبيعيا دون إثارة شكوك، تم اقتياد الشاويش مكبلًا إلى المكتب؛ حتى ظن أنه سيحاكم بتهمة الخيانة.
مقابلة الصول أحمد إدريس للرئيس السادات
وأثناء المقابلة، أثنى السادات على فكرة الشاويش أحمد إدريس بعد أن طمأنه، قائلًا: «فكرة ممتازة.. لكن إزاي ننفذها؟»، وبدأ الصول أحمد إدريس في شرح فكرته، مقترحًا جمع عدد من الجنود من أبناء النوبة والذين يتحدثون اللغة النوبية القديمة، وأن يتواجد واحد منهم مع كل قائد عمليات وقائد كتيبة وفصيلة؛ لاستقبال ونقل التعليمات العسكرية والإشارات، وترجمتها للقادة باللغة العربية.
وبالفعل تم تدريب عدد من الجنود النوبيين والذين تمركزوا خلف خطوط العدو من عام 1971 وحتى قبل إعلان حرب أكتوبر في 1973، وتم إطلاق مصطلحات نوبية على المركبات والعربات والمجنديين، فأطلق على العسكري كلمة «ميسر» ويعني جدي، والصف ضباط كلمة «فج» ويعني معزة، والضباط من رتبة ملازم إلى رائد «إيجت» وتعني خروف، و«منكوكي» على الضفادع البشرية، والمخابرات «أوسلمجني»، والمحطات الرئيسية «أوندي»، الدبابة «تي» والعربات «تون»، ولم تستطيع إسرائيل فك تلك الشفرات حتى أطلقت عليها: «لغة شياطين النيل».
استخدام اللغة النوبية في حرب أكتوبر
وكانت كلمتي «أوشريا» و«ساع آوي»، هما كلمتان بدء ساعة الصفر، كلمة «أوشريا» تعني إضرب، وكلمة «ساع آوي» وتعني الساعة الثانية، وبمجرد سماعها، تحركت كل كتيبة وفصيلة كل في تخصصه لاسترداد أرض سيناء وتحقيق النصر.
وظل استخدام اللغة النوبية في نقل التعليمات والرسائل بين قادة الجيش قائما حتى عام 1994، وظل الصول أحمد إدريس يحمل السر في قلبه طيلة 40 عامًا دون إفشائه، حتى قام الرئيس عبدالفتاح السيسي، بمنحه النجمة العسكرية لما قدمه من خدمة للوطن، بمناسبة الذكرى الـ44 لانتصارات أكتوبر، في عام 2017، ورحل عن عالمنا في 21 سبتمر 2021 عن عمر يناهز 84 عامًا، بعد أن كشف سر شفرة النصر أثناء إحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة.