لا تسمح باستدراجك، فأنت قوي الشكيمة، مستقل الرأي واسع الحكمة والمعرفة، أو هكذا عليك أن تقنع نفسك، عليك ألا تطع كل مستدرج، لأن الاستدراج الفكري - في زمن العولمة ووسائل التواصل التي تتنفس أحيانا كثيرة كذبا وزورا - خطر على الذات ومهدد للحاضر، ومؤثر على المصير.. عليك ألا تتبع أحدا إلا من أحببت توجهه وفكره وارتضيت تطلعاته وسعيه، وقناعاته وعقيدته، الوطنية أو الإنسانية، لا تسمح لنفسك أن تنجرف، فالانجراف هزيمة والانقياد ضعف وسقوط، وإن تمتعك برأي سديد قانع لهو لب الحكمة وقلب العزيمة والاستقلال.
لا تسر خلف القطيع، الذي لا يتعلم ولا يسأل ولا يندمج مع حاجات المجتمعات والناس والأنفس، فتحرم نفسك لذة التوصل إلى الأجوبة، بعد السؤال، ومتعة التعرف بعد الجهل، وقدسية التنوير بعد الإظلام، ولا تخشى التفكير خارج السرب، لكن لا تسعى في الوقت نفسه خلف سراب الأوهام والضلالات، وأنت بسلوكك هذا تكون محصنا ضد الأقاويل التي تقود إلى الزلل، والشائعات التي تودي إلى التهلكة، وأنا في نصيحتي تلك إنما أدعوك ألا تستمع إلى دعاوى كل جماعة ضالة، دون تسمية قضية أو إسقاط مباشر على قطيع.
في خضم ذلك، إنما أحدثك بمنطق الفلاسفة، بأن تحكم قلب الشاعر وضمير القاضي في كل القضايا الطارئة على ساحتك، السياسية أو المجتمعية، وألا تنحاز إلى رواية ترى في أصحابها أنهم في جانبك، بينما هم يحاولون استغلال أزماتك والتكسّب من شتاتك، لإثارة فوضى يتربحون منها ويتسلطون بها، ولا بد أن أسوقا لك هنا ما يقوله الروائي الفرنسي ماري هنري بيل Marie Henri Beyle: "يحاول الراعي دائمًا إقناع الخراف بأن مصلحته ومصالحها واحدة"، وهذا ما يحسنه هؤلاء جيدا، يجيدون خلق فزاعة ويُسقطون عليها كل حدث ليشعروك بأن البلاد ونظمها السياسية تتلاعب بك، بينما هدفهم أن يتسيّدوا بالزيف على البلاد ويرهقوا بالفوضى العباد.
عزيزي القارئ الفطن، إذا قرأت عن واقعة ما تشكك في البلاد والعباد فلا تنقاد إلى شبهات فساد منطقها يغني عن إفسادها، لأن الخراف تنقاد طمعًا في تحريك فكوكها بالطعام، فلا تطمع في تحريك فكك بالحديث المنطوي على جهل، لمجرد أن تدلي برأي قد يضر ذويك ويسوقهم إلى الأكاذيب، ويجرح نفسك التي تباهي بالتعقل والتثبت والموضوعية، بل ينبغي أن تتبيّن فتحكم وتجيد الحكم، لأنك إذا أشعت سوءا انقلب عليك وعلى مجتمعك وأهلك.
الأديب الروسي دوستويفسكي ينصح بأنه "لا ينبغي للإنسان أن يشبه جمهرة الناس، كن مختلفًا حتى وإن كنت وحيدًا"، بينما هو بهذه العبارة لا يعني مجرد المخالفة للاشتهار، بل احترام القدرة الشخصية وتحريك العقل إلى الصواب، تحريكا حكيما مليئا بالقرار، وعدم الركون للأوهام واستسهالها، فهناك – للأسف - من يختار الاختباء في ظل القطيع وآرائه الموحدة، لتجنب تحمل تبعات اختياراته في الحياة، فإن اتفقت مع رأي أحد، اتفق عن قناعة واستيعاب لا انقياد وموالاة، وتقبل اختلاف الناس رغم ذلك، واحتمي مع العقلاء بصوت الفكر والوعي، حتى لا تطفئ نور العقل الذي منحك الله إياه فأصبحت ما أنت عليه: عزيزا كريما، صاحب رأي ومشورة وسداد.