الأحد 06 أكتوبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

من المعلوم تاريخيًا أن منطقة العتبة والأزبكية والمناصرة كانت مناطق مقابر- مثل مناطق الإمام الشافعي والغفير و السيدة نفيسة  الآن - وظل الوضع على ما هو عليه حتى أيام الخديو إسماعيل، الذي قرر تخطيط القاهرة تخطيطًا عصريًا يتماشى مع أرقى عواصم العالم، خاصة باريس، فانتدب المهندسين الأجانب - ومعظمهم من فرنسا- لتصميم الصورة العصرية للقاهرة التي سميت الخديوية نسبة له.

وقد تولى إسماعيل عرش مصر، وهو خامس حكام مصر من الأسرة العلوية، وذلك من 18 يناير 1863، إلى أن خلعه عن العرش السلطان العثماني تحت ضغط كل من إنجلترا وفرنسا في 26 يونيو 1879.

 

مسجد العظام


وبعد أن تولى الوالي إسماعيل الحكم بشهرين تقريبًا، وفي يوم 3 من إبريل 1863 قرر السلطان العثماني عبد العزيز الأول (1830 - 1876)، الذي أصدر فرمانه بتولية إسماعيل، أن يزور مصر تكريما للوالي إسماعيل، وبالفعل اصطحب ابنه الأمير يوسف عز الدين مع حاشيته السلطانية واستقلوا اليخت السلطاني الفخم "فيض الجهاد" بصحبة كوكبة من السفن الحربية والمدنية الكبرى، يستقلها كبار الضباط والموظفين ورجال الدولة العثمانية، وحضرت الحملة من الأستانة إلى ميناء الإسكندرية، حيث استقبل الوالي إسماعيل السلطان عبد العزيز بحفاوة كبرى وكرم ضيافة لم يشهد مثله السلطان، الذي استمتع بزيارة القاهرة وأهرامات الجيزة ومسجد محمد علي، في رحلة استغرقت أحد عشر يوما، عاد بعدها لبلاده سعيدًا بما شاهده، وبما أهداه إسماعيل من هديا لا نظير لها.
وبعد سنوات من الزيارة، وفي 8 يونيو 1867م أصدر السلطان عبد العزيز الأول فرمانا منح فيه إسماعيل لقب الخديوي مقابل زيادة في الجزية، وتم بموجب هذا الفرمان أيضًا تعديل طريقة نقل الحكم لتصبح بالوراثة لأكبر أبناء الخديو سنًا فكانت سعادة إسماعيل لا توصف.
وفي عام 1870 وبناء على تخطيط فرنسي للقاهرة، استقر الأمر على شق طريق من قصر عابدين الذي كانت تحكم مصر من خلاله إلى ميدان العتبة الخضراء- التي سميت بهذا الاسم لوجود قصر بناه الخديو عباس وكان مدخله يحمل اللون الأخضر- وعرض الأمر على الخديو إسماعيل الذي وافق وأمر بأن يطلق على هذا الشارع اسم عبد العزيز تكريما للسلطان عبد العزيز الأول، بما أنعمه عليه من فرمانات ولاية ولقب خديو وجعل ولاية العهد وراثة في أكبر أبنائه سنًا.

شارع عبد العزيز


ولما كان المكان مكان مقابر ولا يليق أن يكون الشارع الذي على اسم السلطان محفوفا بالمقابر فأمر بهدم المقابر ونقل كل الرفات التي بالمنطقة إلى بئر عميقة أقيم فوقها مسجد سمي لذلك باسم مسجد العظام "من العظم وليس من العظيم"، ولما كان المسجد مقصودًا منه الحفاظ على الرفات والعظام وتكريمها، وليس من وظيفته الأساسية إقامة الشعائر، فلم تبن له مئذنة أو قبة كباقي المساجد، ولكن هذا لم يمنع إقامة الشعائر فيه، وما زال موجودا إلى الآن في شارع العشماوي المتفرع من شارع عبد العزيز.
وقد أقام الأهالي مقامًا داخل المسجد لأحد الأولياء هو العارف بالله عبد القادر الدسوقي، شقيق الشيخ إبراهيم الدسوقي، الموجود مقامه بمدينة دسوق بكفر الشيخ، ولكن هذا لم يمح معرفة الناس بأن المسجد به آلاف الرفات للموتى الذين كانوا بمقابر المنطقة.

 

ومن المعلوم أن هناك مسجدا بالاسم نفسه في محافظة العلا بالمملكة العربية السعودية، ويبعد عن شمال المدينة المنورة 300 كم، سمي بذلك لأن النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- علّم موضع صلاته فيه قبل بنائه بالعظام. فحين صلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- في موقعه وهو في الطريق لإحدى غزواته في السنة التاسعة للهجرة عام 630 ميلادي، لم يجد حجرًا لتحديد القبلة فحددها بالعظام. فبنى أهل العلا "وادي القرى في الماضي" مسجدًا في ذات الموقع وأسموه "مسجد العظام".

 

وبعد إنشاء طريق- أو شارع عبد العزيز- كان أول من سكنه بعض الأثرياء من طبقة الباشوات وذلك لقربه من قصر الخديو، ولم يكن وقتها المكان يحفل بنشاط تجاري ذي قيمة سوى سلسلة متاجر أقيمت في عام 1856 تحت اسم "اوروزدي باك"، وهو الضابط المجري الذي أسس مع أولاده سلسلة محلات تحمل اسمه، والتي تخطت 80 فرعا في عواصم مختلفة أوروبية وعربية، وفي عام 1905 وبناء عن طلب من أصحاب مجموعة "اوروزدي باك" صمم المعماري راؤول براندن "1878- 1941" متجرا كبيرا مكونا من ستة طوابق على طراز الروكوكو، ويشغل ناصية شارعي عبد العزيز ورشدي باشا، وظل هذا المتجر يحمل اسم صاحبه حتى اشتراه ثري مصري يهودي وغيّر اسمه إلى "عمر أفندي" الموجد إلى الآن، وما يذكر أنه كان للبناء قبة كانت تخرج أنوارا تضيء ليل القاهرة كإعلان عن وجود أوكازيون ليتوافد الناس إلى المحل.

 

وبعد سنوات انتشرت بالشارع والمنطقة تجارة الأثاث، ‏وكان الزبائن من الأغنياء وذلك لأن أغلب المعارض كانت تعرض البضاعة الغالية والمستوردة خصيصا من الخارج، وكان أشهر المحلات بالشارع والمنطقة ‏محلات ‏السبلجي باشا، و‏الفرنواني‏ ‏باشا‏، ‏وعلي ‏بك‏ ‏السمري‏. وظلت محلات الأثاث مسيطرة على الشارع حتى بداية التسعينيات تقريبا، وبدأ يتحول الشارع إلى تجارة الأجهزة الكهربائية، ثم تجارة المحمول، وأصبح قبلة الكثيرين على طول مصر وعرضها‏.

 

تم نسخ الرابط