السبت 23 نوفمبر 2024
الرئيسية عاجل القائمة البحث

صحة حديث «إن الله حيي سَتِير يحب الستر» والمقصود منه..علي جمعة يجيب

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر

كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، صحة حديث النبي ﷺ: «إن الله حيي سَتِير، يحب الستر»، موضحاً أن الله سبحانه وتعالى يستر المؤمن في الدنيا؛ ولذلك يأمرنا رسول الله ﷺ أن نستر المؤمنين: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، فإذا أخطأ أحدنا، فإنه يجب على أخيه أن يستره، فاستر على أخيك، ولو بطرف ثوبك»، ويقول: «مَنْ ستر مؤمنًا في الدنيا، ستره الله يوم القيامة».

دين الإسلام مبني على الستر

وبين علي جمعة :"إذن، دين الإسلام مبني على الستر، وعلى العفو، وعلى عدم إشاعة الفاحشة بين الناس"، موضحاً أن دين الإسلام مبني على عدم التفاخر بالمعصية، بل يجب علينا أن نستر هذه المعصية؛ حتى تُنْسَى، وحتى يستمر مَنْ وقع فيها، وَقُدِّرَ عليه هذا البلاء، في التوبة إلى الله من غير فضيحة.

وأضاف: لذلك أمرنا رسول الله ﷺ بالنصيحة، ونهانا عن الفضيحة، فإذا ما نصحت أخاك في السر برفق، وكأنه هو أنت، فإنها نصيحة، وإذا ما جهرت بذلك، فإنها فضيحة، فَأُمِرْنَا بالنصيحة دون الفضيحة، مشددا أن النبي ﷺ سار على هذا النهج، يُعَلِّم أصحابه، ويعلمنا، ويعلم العالمين إلى يوم الدين: أن الأصل هو الستر.

وقال علي جمعة: الله سبحانه وتعالى، يستر المؤمن مرات؛ ولذلك فجيء لعلي بن أبي طالب بشخص يستحق الحد؛ لأنه قد ارتكب جريمة من الجرائم، وجاءت أمه تتشفع، فقال لها علي: إن الله سبحانه وتعالى، لا يفضح العبد في المرة الأولى -ابنك هذا قد اعتاد الإجرام، وارتكب هذه الجريمة مرات- قالت: كيف تعلم؟ قال: لأنه الله سبحانه وتعالى سَتِيرٌ يحب الستر.

ملف:هيئة كبار العلماء بالأزهر.png - ويكيبيديا
 هيئة كبار العلماء بالأزهر

وأكمل علي جمعة: "بعد ما أقام عليه العقوبة، سأله: أي مرة هذه؟ فقال: هذه هي المرة العشرين، أي أن الله سبحانه وتعالى ستره مرة، وثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، لأ، بل ستره عشرين مرة، وهو يرتكب ذلك الجرم، لا يستحي من الله، ويضر الناس، ويوقع بهم الأذية، بكل أنواع الأذية، في أعراضهم، أو أموالهم، وأيضًا: يتهم بعضهم بعضًا؛ ظانين أنهم هم الذين ارتكبوا هذه المعصية، في حين أن هذا هو الذي ارتكبه، وكان ينبغي عليه أن يتوب إلى الله، وأن يتمتع بستره؛ ولكنه لم يفعل.

وشدد: الله سبحانه وتعالى يستر، فعليك أيها المؤمن أن تستر، تستر نفسك أولًا؛ ولذلك نهانا رسول الله ﷺ أن نجاهر بالمعصية، وأن نفتخر بها، وتستر أخاك ثانيًا؛ ولذلك أُمِرْنَا أن نستر على المؤمنين.

أسباب الفوز بستر الله 

- عدم المجاهرة والتحدث بالمعصية، فمن وقع في معصية عليه أن يستر على نفسه، ويسارع إلى التوبة منها، ولا يُخبر أحداً بها، فعن سالم بن عبد الله رضي الله عنه قَال: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَة يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِين، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يُصْبِح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف سِتْرَ الله عنه) رواه البخاري.

قالَ ابن حجر في "فتح الباري" : "قال ابن بَطّال: فِي الجَهر بِالمَعصِيَةِ استِخفاف بِحَقِّ الله ورَسُوله وبِصالِحِي المؤمنين، وفِيهِ ضَرب مِنَ العِناد لهم، وفِي السِّتر بِها السَّلامَة مِنَ الاستِخفاف، لأَنَّ المَعاصِي تُذِلّ أَهلها، ومِن إِقامَة الحَدّ عَلَيهِ إِن كانَ فِيهِ حَدّ، ومَن التَّعزِير إِن لَم يُوجِب حَدًّا، وإِذا تَمَحَّضَ حَقّ الله فهو أكرم الأكرمين، ورَحمَته سَبَقَت غَضَبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لَم يَفضَحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك".

- ستر المسلم على أخيه، فعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا، إِلاَّ سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم. ومعنى الستر هنا عامٌّ لا يتقيَّد بالستر البدني فقط، أو الستر المعنوي فقط، بل يشملهما جميعًا، فمَن ستَر مسلمًا ستَرَه الله في الدنيا والآخرة. وعَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عبد الله رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدنيا، نَفَّسَ الله عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يوم القيامة، وَمَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة) رواه مسلم. قل ابن حجر: "أي: رآه على قبيحٍ فلم يُظهِره، أي: للناس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه.. والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضَتْ، والإنكار في معصية قد حصل التلبُّس بها، فيجب الإنكار عليه".

- ومن أسباب نيل ستر الله: أن يستتر العبد في لباسه ولا يتعرى أمام الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (اللهَ عزَّ حييٌّ ستيرٌ، يحبُ الحياءَ والسترَ، فإذا اغتسلَ أحدُكمْ فليستترْ) رواه أحمد.

- الصدقة، قال صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل) رواه مسلم.

- تربية البنات والإحسان إليهن، قال صلى الله عليه وسلم: (من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كن له سترًا من النار) رواه البخاري.

- ستر الميت عند تغسيله، قال صلوات الله وسلامه عليه: (من غسل ميتًا فستره ستره الله من الذنوب، ومن كفنه كساه الله من السندس) رواه الطبراني.

- دعاء وسؤال الله تعالى الستر، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدَع (يترك) هذه الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، وديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدَي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) رواه أبو داود.

تم نسخ الرابط