مولد النبي حدث غير وجه العالم وصنع التاريخ.. محطات في المسيرة المحمدية
عاش العرب قبل مولد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، عهدا طويلا عكفوا فيه على عبادة آلهة وأصنام من دون الله، ظنًا منهم أنها تجلب النّفع وتذهب البأس.
وانتشرت الأصنام في شبه الجزيرة العربية بعدما أدخلها إلى مكة والكعبة عمرو بن لحي، حتى أنه بمرور الوقت أصبح حول الكعبة وداخلها وفوقها نحو 360 صنما، وكان بعض أهل الجزيرة يعبُدون الحجر، وآخرون الملائكة، والجنّ، والكواكب، وهكذا.
مولد النبي.. معجزات اللحظات الأولى
وأراد رب العزة إحياء البشريّة وإكرامها بمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق، ومع قرب ميلاده، حدثت بعض الآيات والدلائل والمعجزات التي سبقت مولده الشريف.
وتعد قصة أصحاب الفيل، من أبرز الدلائل التي حدث قبل ميلاد أشرف الخلق، حيث كان أبْرهة الحبشي ملكا على اليمن وأقسم على هدم الكعبة لاستبدالها بالكنيسةً التي بناها وسمّاها قُلّيْس؛ ليحُجّ العرب إليها بدلًا من الكعبة، وعند اقترابه من مشارف مكة، توقف جيشه وكان في صدارته فيل ضخم مدرب على القتال والهدم، لكنه لم يستطع التحرك ناحية الكعبة، وأرسل رب العزة طيرا أبابيل حصد جنود أبرهة حصدا، فجعلهم كعصف مأكول.
مولد النبي صلى الله عليه وسلم
وكان مولد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في مكة بشِعب أبي طالب، على الأقوال الراجحة، يوم الإثنين الموافق للثاني عشر من شهر ربيع الأول، وذلك موافقا لعام 571 من الميلاد
وعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن سر صيامه يوم الإثنين، قال “فيه ولدت وفيه أنزل علي” يقصد الوحي.
وقيل إنه عندما وضعت السيدة آمنة بنت وهب النبي صلى الله عليه وسلم، خرج نورا أضاء قُصور الشام، وسقط إيوان كسرى ملك الفرس.
وعندما وُلد النبيّ صلى الله عليه وسلم، أمسك به جدّه عبد المطّلب مستبشراً مسرورا بحفيده الذي مات أبوه قبل أن يراه، وأدخله الكعبة ودعا له، واختار له اسم محمّد، الذي لم يكن مشهورا في ذلك الوقت عند العرب.
مولد النبي الشريف
أوّل من أرضعت النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، كانت ثُويبة جاريةُ أبي لهب، والتي أرضعتهُ مع عمّه حمزة بن عبد المطلب الذي لقب بأسد الله.
أمّا السيدة حليمة السعديّة فكانت مُرضعتهُ الثانيّة، وقد تغير حالها ببركة سيدنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في كل شيء، فكانت البركة في اللّبن، والأغنام وقوة الدّابة، واستمرت تُرضِعه مدّة عاميْن، حتى شُق صدره عليه افضل الصلاة وأتم التسليم، فأعادته إلى أهله.
في العام الخامس من مولد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، خرجت به أمه السيدة آمنة بنت وهب إلى المدينة المنورة، لزيارة أهلها أخوال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وكانت برفقتهم مربيته أم أيمن.
وفي طريق العودة مرضت السَّيدة آمنة في مكانٍ يُدعى الأبواء، وتوفِّيَت ودفنت فيه، وهو مكانٌ بين مكَّة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة، ثمَّ رجعت أمُّ أيمن بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي تحضنه إلى مكَّة المكرَّمة، بعد وفاة أمِّه وأبيه.
وتولي جدِّه عبد المطلب، عنايته ورعايته عليه أفضل الصلاة والسلام، وحظى باهتمام ومحبة جده حتى توفي عبد المطلب، وكان عمر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، دون الثامنة، ليتولى عمه أبو طالب بن عبد المطلب تربيته ورعايته.
المولد النبوي الشريف
وفي العام الخامس والعشرين من مولد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، تزوج من السيدة خديجة بنت خويلد، رضي الله عنها، فأعانته على إبلاغ رسالته، وشاركته آلامه وآماله، وواسته بنفسها ومالها، وآزرته في أحرج الأوقات.
وأنجبت السيدة خديجة من النبي عليه أفضل الصلاة والسلام من الأولاد اثنان وهما: القاسم وعبد الله، وتوفيا وهما في مرحلة الطفولة، كما أنجبت من البنات أربع: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، وتوفاهن الموت قبل النبي صلى الله عليه وسلم، إلا السيدة فاطمة رضي الله عنها، التي عاشت ستة أشهر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وتوفيت السيدة خديجة رضي الله عنها، في العام العاشر من بعثته صلى الله عليه وسلم، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليها حزنا شديدا، كما توفي عمه أبو طالب في العام نفسه.
مولد النبي عليه السلام
نعود للوراء قليلا، ففي العام الأربعين من مولد النبي عليه افضل الصلاة والسلام، وهو جالس بغار حراء يتعبّد ويتفكّر في خلق الله، نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي، وتلا الآيات الكريمة من سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)
ورجع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام إلى بيته خائفا بعد الذي حدث معه في الغار، فأصبح يرتجف برداً من شدّة ما لاقاه، فأسرع إلى زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها فقال لها: (زمّلوني، زمّلوني) وهدأ خوفه -صلى الله عليه وسلم وسَكَن.
وروى لها محدث معه فطمأَنته وهدّأَت من روعِهِ، وأخذت تُعدّدُ خِصالَهُ وتقول له أنّ من يُغيث الملهوف، ويساعد الفقير، ويصِلُ الرّحم لن يخذله الله أبداً.
ويأتي فرج وإنصاف رب البرية إلى رسوله الكريم، وهو نائم، ليأتي إليه جبريل عليه السلام، ويصطحبه خارج المسجد الحرام، ليرى أمامه دابة بيضاء هي البراق، فيمتطيها النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ليصل بها إلى المسجد الأقصى ليجد الأنبياء جميعا ويصلي بهم الرسول الكريم، ثم عرج به لسدرة المنتهى، وهي واقعة الإسراء والمعراج التي نزل فيها قول الله تعالي في سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
مولد النبي عليه السلام
وفي العام االثاني والخمسين من مولد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وبعدما اشتد إيذاء المشركين والكفار للمسلمين وحاصرتهم قريش، وخططوا لقتل النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، اختاروا عشرة من الرجال من كل قبيلة حتى يتفرق دمه بين قبائلهم، وكان النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ينتظر الإذن بالهجرة، وذهب عليه أفضل الصلاة والسلام، لرفيقه سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، ليخبره بالهجرة ليتجهز للمغادرة.
وأمر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ابن عمه، علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أن يمكث بفراش النبي، ويلبس ثياب النبي، وينام مكانه، حتى يخدع قريشا الذين تآمروا على قتله، ثم يردّ الأمانات لأصحابها في اليوم التالي.
وعندما علم أهل يثرب بخروج رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، من مكة المكرمة، خرجوا لاستقباله، وصاحبه الصدّيق، واستقبلهما ما يقارب 500 من الأنصار، وأقاموا أربعة أيّام بقباء وبُني أول مسجد في الإسلام، وهو مسجد قباء، وبدأ تكوين دول الإسلام.
وفي العام الثالث والستين من مولده، مرض النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وأصابته الحمى وظل يعاني منها أياما وولى أبو بكر الصديق أن يصلي بالمسلمين.
واشتد المرض على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، واستأذن زوجاته أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها.
ومع اشتداد الحمى عليه، قال رسول الله صلي عليه وسلم: «أَهْرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ، ودخل صلى الله عليه وسلم: (رواه النسائي بعدها أحسّ بخفة، المسجد متعطفًا ملحفة على منكبيه، قد عصب رأسه بعصابة حتى جلس على المنبر، وكان آخر مجلس جلسه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس، إليَّ»، فقاموا إليه، فقال «قَاتَلَ اللهَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» (رواه البخاري)، وأوصاهم قائلًا: «لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ» (رواه مالك) وكأنه صلى الله عليه وسلم أَحَسَّ باقتراب أجَلِه وعاد النبي عليه اأضل الصلاة والسلام إلى بيته واشتد عليه الوجع، وثقل عليه مرضه، وكان إلى جواره قدح به ماء، يغمس فيه يده، ثم يمسح وجهه بالماء ويقول: “اللهمَّ أعني على سكرات الموت".
وفي ضحي يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل، في العام الحادي عشر للهجرة، فاضت روحه الطاهرة إلى خالقها سبحانه.
طبت حيا وميتا يا رسول الله، صلوات ربنا وسلامه عليك، يا خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.