الحرب الروسية الأوكرانية.. كيف تغيرت نظرة موسكو تجاه الصراع ولماذا تخاطب واشنطن بدلًا من كييف؟
بعد مرور قرابة الـ 17 شهرًا، على الحرب الروسية الأوكرانية، يبقى السؤال الأهم منذ بداية الأزمة، متى سينتهي ذلك الصراع ومن هو الطرف المعرقل لعمليات السلام، خصوصًا بعدما حل الدمار على العالم ككل، وليس طرفي الصراع فقط، وعلى الرغم من كون روسيا من بدأ الصراع إلا أنها لطالما أعلنت استعدادها الجاد للتفاوض، فما جدية تلك النية، وشروط موسكو لتنفيذها؟.
موسكو تدعو الغرب لحث كييف على التفاوض
في أحدث إعلان لها عن موافقتها على التفاوض، أكد سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، أن موسكو مستعدة للحوار حول تسوية الأزمة الأوكرانية، لكنه قال إنه من الضروري تشجيع الرعاة الغربيين لنظام كييف على التفاوض.
وبحسب ما نقلته وكالة "تاس" الرسمية الروسية، فإن تصريح باتروشيف، جاء خلال اجتماع عقد في جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا لممثلين رفيعي المستوى من دول "بريكس" المسؤولين عن القضايا الأمنية.
ورحب سكرتير مجلس الأمن الروسي، برغبة شركاء "بريكس" في "تعزيز تسوية سلمية تفاوضية للأزمة الأوكرانية وتقديم خدمات الوساطة".
وقال باتروشيف: "أود أن أؤكد أن روسيا مستعدة للحوار، وهو ما ذكرته مرارًا وتكرارًا، لكن من الضروري تشجيع المفاوضات حصريًا من القيمين الغربيين على نظام كييف، الذي حرم نفسه من التفاوض مع بلدنا".
وشدد باتروشيف، على أن "الوضع حول أوكرانيا مثالٌ حي على الأعمال المدمرة للغربيين، ونحن نقدر فهم أسباب إجراء العملية العسكرية الخاصة والتقييم المتوازن للأحداث الجارية من قبل شركائنا في بريكس".
الكرملين: مستعدون للحوار مع كييف
في مايو الماضي، أعلنت الرئاسة الروسية، أن موسكو ليس لديها أي شروط مسبقة لإجراء محادثات محتملة مع كييف.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في تصريحات تلفزيونية، إن روسيا تدرك أن النظام في كييف غير راغب في الحوار وغير مستعد له، مُضيفًا أن موسكو لا ترى أي أساس حتى وإن كان ضعيفًا لبناء حوار مع كييف.
اتهامات لأمريكا بعرقلة المفاوضات:
تبقى أمريكا الطرف الرئيسي والمعرقل لعمليات السلام في نظر الجانب الروسي، الذي يوجه باستمرار أصابع الاتهام لواشنطن كونها لطالما أعلنت عن استعدادها لمواصلة إمدادها العسكري لكييف، وكأنها تستغل الحرب للانتقام من روسيا على حساب الشعب الأوكراني، بحسب وسائل إعلام روسية.
وفي السياق، قال باتروشيف، إن "الولايات المتحدة وحلفائها يفعلون كل شيء لتصعيد النزاع عبر زيادة إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك قذائف اليورانيوم المنضب والصواريخ المجنحة بعيدة المدى والذخائر العنقودية المحرمة في العديد من دول العالم".
وتزامنت تصريحات باتروشيف، مع إعلان وزارة الدفاع الأمريكية، عن مساعدات جديدة لأوكرانيا، بقيمة 400 مليون دولار، بحسب شبكة" روسيا اليوم".
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية، إن المساعدات الأمريكية الجديدة لأوكرانيا تشمل ذخائر دفاع جوي ومركبات مدرعة وأسلحة مضادة للدروع.
المساعدات الأمريكية الجديدة، تؤكد نية واشنطن في إطالة مدى الحرب، وعدم نيتها في التوسط لإعادة مفاوضات السلام، بحسب وكالة" تاس".
تغيير نظرة روسيا تجاه الصراع
ويبدو أن موسكو غيرت نظرتها كليًا تجاه الصراع، فبعد أن كانت تؤكد استعدادها للتفاوض بشرط أن تأتي تلك المبادرة من كييف ذاتها، بدأت تُطالب الغرب وعلى رأسهم واشنطن باتخاذ تلك الخطوة.
ففي مايو 2022، قال فلاديمير ميدينسكي، رئيس الوفد الروسي في محادثات السلام وأحد معاوني الرئيس الروسي، إن موسكو "على استعداد لاستئناف المفاوضات، لكن المبادرة في يد كييف".
وقال ميدينسكي في مقابلة مع قناة "أو إن تي" البيلاروسية التلفزيونية: "نحن، من جانبنا، مستعدون لمواصلة الحوار، لكنني أؤكد مرة أخرى.. أن مبادرة مواصلة محادثات السلام تقع بيد الجانب الأوكراني"، مضيفًا أن: "تجميد المحادثات كان من جانب أوكرانيا بالكامل".
أما في فبراير الماضي، وبعد مرور عام كامل على الصراع، بدأت شروط التفاوض الروسي تتبدل تمامًا، وتحولت أنظار روسيا إلى الولايات المتحدة، حيث وصفتها بالسعي لتحويل الحرب لحرب بالوكالة على روسيا وأنها تتحكم في كييف لمواصلة الصراع.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "الغرب يريد إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، أي القضاء علينا نهائيًا"، محملًا واشنطن وحلفائها الأوروبيين "مسؤولية تأجيج النزاع الأوكراني وسقوط ضحاياه."
وأضاف الرئيس الروسي: "يريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بنا، ومهاجمة مواقعنا النووية، ولهذا السبب بات واجبًا علي أن أعلن أن روسيا ستعلّق مشاركتها في معاهدة (نيو) ستارت"، وهي معاهدة لمراقبة الأسلحة بين موسكو واشنطن.
زيلينسكي يصمم على مواصلة الصراع
وعلى الرغم من أن تصريحات بوتين لم تعد موجهة لزيلينسكي، بعد أن اكتشف الطرف الرئيسي في الصراع، إلا أن الرئيس الأوكراني، لازال متمسكًا بمواصلة صراعه مع موسكو، مؤكدًا أن كييف "ستنتصر" على القوات الروسية.
وأضاف زيلينسكي عبر منصات التواصل الاجتماعي، عشية ذكرى الحرب: "لم ننكسر، تخطينا الكثير من المحن وسوف ننتصر. سنحاسب جميع الذين جلبوا هذا الشر، وهذا الرعب وهذا القتل والنهب وهذه الحرب إلى أرضنا."
"وقال زيلينسكي، إن "روسيا اختارت طريق القتل والإرهاب، وستتحمل الدولة الروسية مسؤولية ما ارتكبته."
بايدن: نؤكد دعمنا التام لأوكرانيا
من جانبه، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن موسكو لن تنتصر في حربها ضد أوكرانيا، مجددًا في كلمة ألقاها من العاصمة البولندية وارسو، تشبث بلاده بدعم كييف.
وأكد بايدن، أن واشنطن تدعم أوكرانيا دعمًا تامًا مع اقتراب الذكرى الأولى للغزو الروسي كما تمسك بالدعم الأمريكي للجناح الشرقي في حلف شمال الأطلسي.
وشدد بايدن، على أنه "لا شك أن التزام الولايات المتحدة تجاه تحالفنا مع حلف شمال الأطلسي والمادة الخامسة التزام قوي لا لبس فيه"، مشيرًا إلى مبدأ الحلف الذي يقول إن الهجوم على أي دولة يمثل هجومًا على جميع الدول.
حرب نووية
ويرى خبراء ومحللون سياسيون، أن ذلك الصراع الروسي الأوكراني، لا يمكن أن ينخمد عبر مفاوضات أو محادثات سلام، مثلما تطالب روسيا، التي تعلم جيدًا بأن ذلك الأمر صعب تحقيقه وخصوصًا بعدما تبنت واشنطن الصراع وتكفل الغرب بدعم موسكو، بحسب قناة "الجزيرة".
إذ أكد المحللون، أن الصراع تحول لأخطر مما كان متوقع له، حيث دخل لاعبون جديدون على الخط، خصوصًا أمريكا التي لطالما سعت للقضاء على روسيا، فجاءت الحرب لتحقيق أمالها، دون أن تستنزف سوى بعض الأموال والمساعدات العسكرية.
فيما نقلت وكالة " سبوتنيك" الروسية، عن مسؤولين أمريكيين بالبيت الأبيض، استيائهم من مواصلة دعم الإدارة الأمريكية لكييف عسكريًا، لافتين أن ذلك الدعم يستنزف أكبر مصدر دخل للبلاد.
ويبدو أن نيران الصراع لن تنتهي سوى بتنفيذ أحد الأطراف، أقوى تهديداته، ليتحول إلى حرب نووية مباشرة، ستؤدي لخسارة الأطراف كافة، لكنها ستنهي هذا الصراع، بحسب الخبراء.