شرّف الله - سبحانه وتعالى- مكة المكرمة على جميع الأماكن، وجعلها قبلة للناس كافة.. فيها المسجد الحرام، وهو أول بيت وضع للناس، يأتي إليه الحجاج من كل حدب وصوب، راغبين في عفو الله ورحمته وابتغاء رضوانه.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: "الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم".
"الحج" مواطن ومشاعر ونُسك.. مواطنه الكعبة وما حولها، "المسجد الحرام، ومِنى وعرفة والمزدلفة".. الحج يتقلب في غدوه ورواحه، ونُسكه، ما بين هذه المشاعر.. ومن النُسك؛ المبيت في منى، في اليوم الثامن من ذي الحجة، ليلة اليوم التاسع، وهو يوم "التروية"، وسمى بذلك؛ لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء، ويحملون ما يحتاجون إليه إلى عرفات ليكفيهم إلى آخر الحج، ويستحب المبيت في منى تأسيًا بسنة نبينا وقدوتنا محمد، صلى الله عليه وسلم.
يذهب الحجاج إلى منى، داعين، ملبين، ويصلون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا، دون جمع.. والوقوف بعرفة، والمبيت بالمزدلفة، ثم المبيت في منى، أيام وليالي التشريق.. هذا إجمال للركن الأعظم، الحج، أما ما يتعلق بالمسجد الحرام، فإن فيه الطواف بالكعبة، والسعي بين الصفا والمروة.
وقد قال النبي الكريم: "من حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه".. أي رجع صفحة بيضاء، مليئة بالحسنات، فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
"الحج عرفة".. حديث عن رسول الله الكريم، له معنيان:
الأول: إن من فاته الوقوف بعرفة، فقد فاته الحج من عامه ذلك.. ومن أدرك الوقوف بعرفة فقد أدرك الحج في عامه هذا.
الثاني: إن الوقوف بعرفة من أركان الحج.
فأركان الحج، هي: الإحرام "النية"، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة، وهو أحد أيام الأشهر الحرم، إذ يقول الله تعالى: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم".
عند بزوغ يوم التاسع من ذي الحجة يتجه الحجاج من منى إلى عرفة، ويحرصون على الأذكار والأدعية فخير الدعاء هو دعاء يوم عرفة، كما قال عليه الصلاة والسلام "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
يوم عرفة.. الكل يرفع يديه لله عز وجل بالدعاء، يرجو رحمته ومغفرته، في هذا اليوم يطمع الجميع في أن يقبل الله تضرعهم ويباهي- سبحانه وتعالى- بهم ملائكته، لإيمانهم وطاعتهم له.
إنه يوم عظيم أتم الله فيه دينه، وأحد الأيام العشرة التي أقسم الله بها.. يوم يعتق الله فيه عباده من النار، وفيه من الفضائل الكثير.. فصيام هذا اليوم يكفر السنة الماضية والسنة المقبلة، والدعاء فيه مستجاب، ويقول الله عز وجل فيه: "أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم".
يعود الحجاج إلى منى صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة، بعد وقوفهم على عرفات، ومن ثم المبيت في مزدلفة.
يقضي الحجاج في منى، أيام التشريق الثلاثة، لرمي الجمرات، مبتدئين بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه.
الأصل اللغوي لكلمة تشريق:
"التشريق" في اللغة العربية، تعني تقديد اللحم، حيث إن اللحم يقطع لأجزاء صغيرة، ويوضع في الشمس لتجفيفه، ويصبح اسم اللحم القديد، وتقديد اللحم عند العرب يعرف بالتشريق، لذا سميت هذه الأيام بالتشريق، حيث تشرّق لحوم الأضاحي فيها، فبعض الحجاج يأتون بلحوم الهدي، ويقطّعونها ويقومون بنشر القطع الصغيرة لتجفيفها، وأخذها معهم عند عودتهم من الحج.
وهي الأيام الثلاثة التي تأتي بعد عيد الأضحى، وهي أيام مُباركة والتي ذكرها الله تعالى بقوله: "واذكروا الله في أيام معدودات".
يكرم الله عباده المؤمنين في هذه الأيام بنعيمين؛ الأول نعيم أبدانهم، بالأكل والشرب بلا إسراف ولا تبذير، والثاني نعيم قلوبهم بذكر الله ودعائه.
اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام.. وردنا إليك ردًا جميلًا