انقلاب النيجر وغلق الحدود.. خسائر اقتصادية وأمنية بالجُملة تُهدد استقرار دول الجوار
لا يُسبب انقلاب النيجر خسائر للدولة ذاتها فقط، بل يمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من ذلك، فناهيك عن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية اللتين خسرتا مصالحهما في النيجر، عقب الانقلاب الأخير، إلا أن دول الجوار السبع تتخطى خسائرها ما قد يعاني منه الغرب.
وتشترك النيجر في مناطق حدودية مع 7 دول، هي نيجيريا، الجزائر، ليبيا، بنين، مالي، بوركينافاسو وتشاد، وتعاني تلك الدول من أزمات اقتصادية وأمنية قوية جراء ذلك الانقلاب والتي سيسعى موقع "بالمصري"، لرصدها.
نيجيريا وانقلاب النيجر
تُعد نيجيريا الدولة الجارة الأكبر الأقوى، التي تتولى رئاسة مجموعة "إيكواس"، وبالرغم من أنها تبنت قرارات فرض عقوبات مالية على النيجر، لكنها لم ترجح بعد عملية التدخل العسكري بتلك الدولة الجارة، نظرًا لما سوف تسببه تلك الدولة في خسائر ضخمة.
وتواجه التجارة بين نيجيريا والنيجر، التي تبلغ قيمتها 226.34 مليون دولار، خطر الانهيار بسبب الإغلاق الحدودي الأخير بين البلدين جراء انقلاب النيجر.
وتسبب الإغلاق الحدودي، الذي فرضته نيجيريا على النيجر بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية المنتخبة للرئيس محمد بازوم؛ في تأثير سلبي على حركة التجارة بين البلدين.
وكان المفتش العام المؤقت للجمارك، بشير أديني، قد أعلن إغلاق الحدود بين البلدين، نتيجة الظروف الراهنة في النيجر، مع تقييد السفر إلى مناطق معينة، بناء على قرار مجموعة "إيكواس".
وبلغ حجم تجارة النيجر مع دول إيكواس في عام 2021 حوالي 870 مليون دولار، وهو ما يمثل تقريبًا ربع تجارتها الخارجية، ونصف صادراتها للعالم في نفس العام، ما يعني أن النيجر تعتمد بشكل كبير على دول الإيكواس في تجارتها، وبالتالي فتعليق التبادل التجاري بين النيجر وإيكواس سيمثل ضربة كبيرة للاقتصاد النيجيري، بحسب وسائل إعلام نيجيرية.
وتتعرض هذه التجارة الآن للخطر، جراء تدهور العلاقات بين البلدين. ففي يوم الجمعة، 4 أغسطس، قطعت السلطة العسكرية في النيجر علاقاتها مع نيجيريا وفرنسا ودول أخرى بعد فشل محادثات السلام مع مجموعة دول غرب إفريقيا "إكواس".
وأدى الإغلاق إلى تكدس طوابير طويلة من المركبات الكبيرة على الحدود التي تربط بين جمهورية النيجر ونيجيريا في مدينة إليلا التي تقع في ولاية سوكوتو.
كما فرضت "إيكواس"، التي تضم 15 دولة، في قمة طارئة لها الأحد 30 يوليو، مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية، إلى جانب تعليق عدد من الدول والمنظمات الدولية مساعداتها للنيجر إثر الانقلاب، ما أدى إلى تداعيات سلبية على اقتصاد النيجر، واقتصادات دول خارجية أخرى.
الجزائر وانقلاب النيجر
تنعكس أزمة النيجر أيضًا على الجزائر، التي تعاني أزمات اقتصادية وسياسية داخلية، وقد تجبر هذه الأحداث الجزائر على زيادة ترتيباتها العسكرية على المناطق الحدودية.
ومن الممكن أن يتسبب التدخل العسكري في النيجر في تدفق الكثير من المهاجرين غير الشرعيين إلى حدود ليبيا والجزائر وتونس.
إلى جانب ذلك، فستتكبد الجزائر خسائر اقتصادية مهمة، حيث تُمثل النيجر ممرًا مهمًا للجزائر نحو قلب إفريقيا، ضمن استراتيجيتها لتعزيز صادراتها إلى القارة السمراء، خصوصًا مشروعات الطريق العابر للصحراء، الذي يربط الجزائر بنيجيريا عبر النيجر، بالموازاة مع خط للألياف البصرية، وأنبوب لنقل غاز نيجيريا إلى أوروبا مرورًا بالبلدين.
كما أن مجمع سوناطراك الجزائري وقّع في فبراير 2022، مع وزارة الطاقة في النيجر، على اتفاق لتقاسم الإنتاج في حقل "كفرا" النفطي شمالي البلاد، الذي اكتشفته في 2018، الذي تقدر احتياطاته بنحو 400 مليون برميل.
وأظهرت الجزائر موقفًا حذرًا من خلال عدم دعمها للانقلاب لكنها ترفض في الوقت نفسه أي تدخل عسكري أجنبي، سواء تقوم به دول مجموعة "إيكواس" أو فرنسا.
وتخشى الجزائر التي تربطها اتفاقيات تعاون أمني مع النيجر لحماية حدودها وتسيير دوريات أمنية وعسكرية مشتركة، حدوث اختراقات من قبل الجماعات الإرهابية النشيطة في دول الساحل، خصوصًا أن بعضها تضم عناصر جزائرية.
إلا أن الأزمة الأهم بالنسبة للجزائر، تتمثل في مخاوف نشوب مواجهات مسلحة بالنيجر ومنطقة الساحل قد تصل إلى صراع مفتوح بين روسيا والغرب، ما يضع الجزائر في موقف متأرجح بين تحالفها مع موسكو وشراكات استراتيجية تسعى لبنائها مع قوى غربية خصوصا فرنسا وإيطاليا.
بنين وانقلاب النيجر
أما في بنين فالأوضاع لا تختلف كثيرًا عن سابقتها، فقد أسفر الانقلاب عن خسائر كبيرة لتلك الدولة، أبرزها منع دخول شاحناتها من وعبر النيجر.
وتشترك البلدان في مشروع خط أنابيب التصدير بحقل "أجادم" النفطي في النيجر، مرورًا بميناء كوتونو على المحيط الأطلسي في بنين، ويقدر إجمالي الاستثمار في هذا الخط، الذي يبلغ طوله حوالي ألفي كيلومتر، بنحو 4 مليارات دولار.
وتأمل النيجر، التي تنتج حاليًا نحو 20 ألف برميل من النفط يوميًا، في زيادة إنتاجها إلى نحو 110 آلاف برميل يوميًا منها 90 ألف برميل يوميًا سيتم تصديرها عبر خط الأنابيب.
لكن مخاوف من تأثير الانقلاب وإغلاق الحدود، على المشروع الرابط بين البلدين، دفع الحسن كورا نائب رئيس ديوان وزير المناجم والطاقة في بنين، إلى التأكيد بأن "الوضع السياسي الحالي لا علاقة له بتنفيذ المشروع".
وهذا يعني أنه في الوقت الحالي، يتقدم العمل في النيجر وبنين، وقد يكون هناك تأخير فقط في الجدول، عن الموعد المقرر في أكتوبر المقبل.
ومن جانبه، أكد المتحدث باسم حكومة بنين ويلفريد ليندري هونج بيدجي، أن إغلاق الحدود الذي فرضته كتلة غرب إفريقيا لن يؤثر على أعمال البناء في خط الأنابيب.
ليبيا وانقلاب النيجر
أما في ليبيا، التي تقع شمال شرقي النيجر بحدود طولها 354 كيلومترًا، فسيتسبب التدخل العسكري في أزمة النيجر في تدفق المزيد من المهاجرين الذي قد تستقطبهم الميليشيات وتجندهم لحسابها، ما يدفع البلاد إلى وضع أمني سيئ.
إذ جاءت ليبيا في المركز السابع من بين أكثر دول منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تأثرًا بالإرهاب رغم التحسن الملحوظ في الوضع الأمني منذ العام 2019 تقريبًا، وفق مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023.
وحذرت حكومة الوحدة الوطنية "المنتهية ولايتها"، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، من مخاطر الفوضى المحلية والإقليمية التي يمكن أن يتسبب فيها التدخل الخارجي في النيجر. وأعلنت حكومة طرابلس، تأييدها لمسار العودة إلى النظام الدستوري واحترام الشرعية المتمثلة في الرئيس بازوم، كما ترفض الاعتراف بالتغيير غير الدستوري لأنظمة الحكم المنتخب، بحسب صحيفة "الوسط" الليبية.
وبعيدًا عن الأزمات الاقتصادية التي قد يسببها انقلاب النيجر ليبيا، جراء محاولات مواجهة الإرهاب وغلق الحدود بين البلدين ووقف عمليات الهجرة غير الشرعية، لكن هناك أزمة أخرى أكثر صعوبة قد تهدد الأوضاع في ليبيا.
فالدولة التي تعاني من انقسام داخلي بين الشرق والغرب، أصبحت أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، إما تنسيق العمليات العسكرية والأمنية بحدودها الصحراوية، أو تركها للعصابات والجماعات الإرهابية المسلحة الفارة من انقلاب النيجر.
كما سيكون للانقلاب الحالي تأثير على خطط ومشروعات عديدة، منها ربط تشاد والنيجر وليبيا بخط للسكك الحديد، بحسب تصريحات المحلل السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم، لموقع أصوات مغاربية، موضحًا أن المخاوف الليبية مما يحدث في النيجر "أمنية" بالدرجة الأولى.
تشاد ومالي وبوركينافاسو
تُمثل تلك الدول الثلاث حالة خاصة، إذ تميل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في تشاد للانهيار، وهو ما يجعلها في غنى عن متابعة تأثير انقلاب النيجر عليها.
وبحسب مراقبين، لدى التشاد ما يكفيها من أزمات داخلية لا تزال محل حوار، إضافة إلى أزمة تدفق لاجئين من الجارة الشرقية السودان بسبب الحرب، وترى نفسها في غنى عن التورط في مشكلات جديدة مع جارتها الغربية النيجر.
وأعلنت تشاد رفضها للانقلاب بسبب علاقاتها مع الرئيس محمد بازوم، إلا أنها رفضت تدخلها عسكريًا أو سياسيًا في الأوضاع الراهنة في جارتها النيجر.
أما بالنسبة لمالي وبوركينافاسو، فقد شجعتا الانقلاب، معتبرتين إياه خطوة مماثلة لخطوات سابقة اتخذتها كلتا البلدين لمواجهة التدخل الفرنسي ووقف هيمنة الغرب وأمريكا على بلادهم، مقابل فتح آفاق جديدة للتعاون الروسي والصيني بالمنطقة.