تطورات الأزمة الليبية.. لماذا سببت العاصفة "دانيال" هذا الدمار الهائل؟
الأزمة تتزايد والحلول منعدمة، هكذا وصف وزير الداخلية بحكومة الشرق المكلفة من مجلس النواب عصام أبوزريبة، الوضع بعد دانيال، العاصفة التي ضربتها على مدار الأيام الثلاثة الماضية، ما أسفر عن آلاف الضحايا والمفقودين، فضلًا عن نزوح عدد لا نهائي من المواطنين.
لم تقتصر الأزمة التي ضربت شرق ليبيا على العاصفة فقط بل كان هناك عوامل عدة أخرى ساهمت بشكل كبير في تدهور الأوضاع، حتى أسفرت عن الكارثة الإنسانية الحالية، بحسب تقرير لقناة "إيه بي سي" الأمريكية.
تفاقم الأوضاع
بداية، فقد أسفرت الأزمة الناجمة عن السيول الجارفة، إلى فقد ما يتخطى عن 5300 شخص، بحسب بيانات حكومة الشرق، التي أعلنت أيضًا عن فقدان قرابة الـ 9000 آخرين، ونزوح أكثر من 20 ألف أسرة.
وبحسب صحيفة "الوسط" الليبية، فقد بلغت الخسائر مليارات الدينارات فيما أسفرت الأزمة عن غرق بعض المدن كـ"سوسة، المرج، البيضاء، بياضة وبطة"، هذا فضلًا عن مدينة درنة التي زاد فيها حجم الكارثة بشكل كبير حتى أن أكثر من ثلثيها اختفى بالكامل جراء السيول والأمطار الهائلة.
أسباب تفاقم الأزمة
أما بالنسبة لتقرير الشبكة الأمريكية، والذي جاوب على التساؤل الرئيسي حول أسباب تفاقم الأزمة، فقد شرح كيف اكتسبت العاصفة دانيال قوتها منذ أن عبرت أولًا فوق اليونان، متسببة في سيول وفيضانات مدمرة لدى مرورها فوق وسط البلاد.
ذكر التقرير، أنه حينما تحركت العاصفة جنوبًا، اشتدت قوتها، وتحولت إلى نظام ضغط منخفض يشبه النظام الاستوائي، قبل أن تصل إلى اليابسة في بنغازي بعد ظهر الأحد.
ويُعرف هذا النوع من الأنظمة بشكل غير رسمي باسم «Medicane»، وهو مزيج من كلمتي البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean) والإعصار (hurricane). وتتكون هذه الظاهرة عندما تعبر العاصفة مياه البحر المتوسط الدافئة.
وغالبا ما تكتسب العواصف من هذا النوع سمات مشابهة للإعصار، حيث تدور السحب حول هيكل مركزي يشبه العين. وكانت العاصفة المطيرة قوية بما يكفي لإحداث فيضانات دمرت السدود، وجرفت أحياء بأكملها في مدن ساحلية متعددة بشرق ليبيا.
انهيار البنية التحتية
إلى جانب التحليلات العلمية، فكانت هناك أسباب أخرى رئيسية وراء تفاقم الأزمة، حيث رأى خبراء، أن التنافس والصراع المستمر في ليبيا منذ عشر سنوات تقريبًا، عرقل عمليات تطوير البنية التحتية، ما أضاف إلى المعاناة التي سببتها «دانيال».
ووصف الخبراء هذا الحدث، بأنه «شديد» من حيث كمية المياه المتساقطة في غضون 24 ساعة، ما أدى إلى ارتفاع منسوب مياه الفيضانات إلى ثلاثة أمتار في بعض المناطق بشرق ليبيا، خصوصًا في درنة.
تقرير «إيه بي سي» الأميركية أكد صعوبة الوقوف على الأعداد الدقيقة للوفيات والمفقودين جراء العاصفة في شرق ليبيا بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت، مشيرًا إلى صعوبة وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة.
في حين تخشى السلطات المحلية تضرر المئات من الأراضي الزراعية ومزارع المحاصيل جراء الفيضانات، إذ غمرت المياه أحياء سكنية بأكملها، وجرفتها إلى مياه البحر.
تدابير الدولة
اتخذت السلطات الليبية بحكومتيها في الغرب والشرق عدة تدابير، أبرزها قرار حكومة الوحدة بطرابلس، والتي خصصت 500 مليون دينار لصالح وزارة الحكم المحلي بهدف تغطية الأضرار في البلديات المنكوبة شرق البلاد.
وبحسب منصة "حكومتنا"، نص القرار رقم (560)، على أن يُخصم المبلغ المخصص من الباب الثالث للتنمية، كما أذن مجلس الوزراء، لجهاز تنفيذ مشروعات المواصلات، بالتعاقد مع الشركات العالمية لإعادة تأهيل البنية التحتية في المناطق المنكوبة وصيانة الجسور ومجاري الأودية.
وفي السياق نفسه، فقد أصدرت حكومة الوحدة، قرارًا بتخصيص ملياري دينار لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، بهدف إعمار البلديات المنكوبة وتأهيل المناطق التي دمرتها السيول والأمطار شرق البلاد.
أما بالنسبة للشرق، فقد قرر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، الدكتور أسامة حماد، تخصيص 200 مليون دينار للبلديات والمدن والمناطق المتضررة من السيول والفيضانات جراء العاصفة المتوسطية «دانيال».
وبحسب بيان للحكومة نشرته، عبر صفحتها الرسمية بموقع "فيسبوك"، فسيوزع المبلغ بواقع 30 مليون دينار لبلدية درنة وفروعها، و50 مليونًا لبلدية البيضاء وفروعها، و25 مليونًا لبلدية المرج فروعها.
هذا إلى جانب الدعم الذاتي للأهالي ومجالس البلديات، فضلًا عن المؤسسات الوطنية كالبنك المركزي، مؤسسة النفط، شركة الطيران وجهاز الهلال الأحمر الذي فقد أكثر من 30 عضوًا خلال عمليات الإنقاذ.
فزعة عربية وعربية
النكبة الإنسانية التي تعرضت لها ليبيا، أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، تخطت كافة التوقعات، ما دفع العديد من الدول والمؤسسات الدولية لمشاطرة ليبيا في مصابها.
الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كانا أبرز تلك المؤسسات الدولية التي شاركت بالحداد وفي دفتر العزاء، كما عرضا مساعدتهما لتخطي تلك الأزمة.
أما عربيًا، فقد قدمت مصر، بناءً على تعليمات الرئيس عبد الفتاح السيسي، 3 طائرات عسكرية محملة بالمساعدات الإنسانية إلى ليبيا، فضلًا عن زيارة رئيس أركان القوات المسلحة المصرية أسامة عسكر، لشرق ليبيا من أجل تقديم واجب العزاء.
وكان الرئيس السيسي، قد أجرى اتصالًا هاتفيًا، لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، أعرب خلاله عن تعازيه لليبيا، جراء وقوع آلاف الضحايا بسبب العاصفة دانيال، بحسب الصفحة الرسمية للمتحدث باسم الرئاسة.
كما قدمت كل من الإمارات وقطر والكويت والجزائر وتونس، مساعدات إنسانية وفتحوا جسورًا جوية بين بلدانهم وليبيا.
وعلى المستوى الدولي، فقد ساهمت كل من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وتركيا، بمساعدات إنسانية لليبيا، مؤكدين استعدادهم لوضع إمكانياتهم اللازمة تحت أمر الدولة المنكوبة.